كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الجمعة، 24 مايو 2013

المحلية والعالمية في فن سيد درويش


لنستمع إلى هذه الافتتاحية لأوبريت شهزاد من تأليف سيد درويش والتي تضم مقاطع من ألحان داخل الرواية، ولنلاحظ كيف أن تجميع الألحان المختلفة في موسيقى واحدة لا ينتج عنه موسيقى مفككة تحتاج إلى تغيير حاد بين المقاطع، مثل التوقف التام لبدء لحن آخر من مقام مختلف أو إيقاع مختلف. بل على العكس ينتج نسيج متجانس من الموسيقى في عمل واحد يعبر عن جو الأوبريت كله 
والتوزيع الأوركسترالي للافتتاحية يوضح تماما قابلية الألحان للتوزيع حسب الأصول العالمية، ويمكن لأي أوركسترا في العالم استيعابه وأداؤه دون الاصطدام بمحلية الموسيقى أو تذوق جمهور معين
سيد درويش - افتتاحية شهرزاد 

عن أوبريت "الباروكة" يقول الشيخ سيد:
"إن الموسيقى لغة عالمية ونحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية ، يجب أن يستمع الرجل اليوناني والرجل الفرنسي والرجل الذي يعيش في غابات أواسط إفريقيا إلى أى موسيقى عالمية فيفهم الموضوع الموسيقي ويتصور معانيه ويدرك ألغازه لذلك فقد قررت أن ألحن أوبريت "الباروكة" على هذا الأساس وسأعطيها الجو الذي يناسب وضعها والذي رسمه لها المؤلف ، سأضع لها موسيقى يفهمها العالم كله"
وقد رأى بعض النقاد في هذا الرأي أنه يحوي الكثير من المبالغة والمغالاة ، ولو أن سيد درويش أراد أن يخرج الموسيقى المصرية عن حدودها المحلية إلى أفقها الواسع حيث عالم الإنسانية الرحب ورغم صحة أن الموسيقى واحدة في أساسها كلغة إنسانية إلا أن موسيقى كل أمة لها خصائصها المحلية ، والتعبير الموسيقي يختلف من أمة إلى أمة عن نفس الحدث أو الشعور , ولا يمكن استيراد العادات والطبائع كالسلع

وللرد على ذلك هناك عدة نقاط
1- لا ينكر القائلون بهذا النقد صحة أن الموسيقى واحدة في الأساس كلغة إنسانية ، ولا يجدون خطأ في أن سيد درويش أراد أن يخرج الموسيقى المصرية عن حدودها المحلية إلى الأفق الإنساني الرحب ، وهذا وحده يصيب ذلك الرأي بالتناقض قبل مناقشته

2- أن سيد درويش لم يقصد الخروج للعالمية في كل موسيقاه وإنما قصده عندما عنى "الباروكة" بالذات وهى أساسا نص أوربي ، ولا بد أن يؤخذ كلامه في هذا السياق ، وقد أوضح ذلك تماما

3- كيف يمكن قبول نص أجنبي بكل خصائص مجتمعه ليقدم لنا في مجتمع مختلف بغير أن نجد فى ذلك غرابة وندعي غرابته في الموسيقى بينما النصوص أصعب بكثير في الاستيعاب بمواقفها وأشخاصها وظروف مجتمعها من الموسيقى

4- إن حديث سيد درويش عن الباروكة الذات يجسد محاولة فهم النص أولا بكل تداعياته فإذا تم فهمه واستقبلناه كعمل أدبي بشخوصه وأحداثه كما هي ألن يمكننا التعبير عما فهمناه؟ والمعروف أن سيد درويش أراد تلحين تلك الأوبريت في جوها الأصلي بغير تعريب أو تمصير فهو قد احتفظ بأسماء الشخصيات الأجنبية كما هي وكذلك أسماء الأماكن وفقط تم ترجمة معنى الحوار ، وأراد عندئذ أن يقول بالموسيقى ما يجب أن يقال ويجب أن يفهمه مجتمعها الأصلي كما فهمنا نحن النص ، أو بعبارة أخرى إعادة تصدير الأوبريت لأوربا ملحنة ، ويكون الحكم على التجربة عند عرضها للجمهور فإذا فشل الجمهور في استيعاب الموسيقى فشل الملحن وإذا حدث واستوعبها يكون الملحن قد نجح

5- كيف نفسر تذوق المجتمعات العربية مثلا للموسيقى الغربية؟ نحن قد نعشق لحنا أوربيا أو أكثر بينما لا نستطيع تمييز كلمة واحدة مما يغنونه! فإذا علمنا المعاني فلا شك أن تذوقنا سيكون أدق وأفضل ، وكيف نفسر ترجمة الأوبرات العالمية وأداءها بمختلف اللغات في دول مختلفة

6- لقد قامت في أوربا موسيقات عالمية كثيرة على أساس من الموسيقى المحلية الشعبية في مناطق مختلفة ، أمثلة ذلك الرابسودية المجرية ورقصة السيوف الأرمينية ومارش العبيد الروسي والعديد من الموسيقات الأسبانية ومؤخرا زوربا اليوناني وموسيقى الوسترن والبوب الأمريكية وكلها لاقت نجاحا في مختلف أنحاء العالم رغم أنها نشأت وبنيت على أساس محلي

7- أما عن الاستيراد فقد شهد القرن العشرين حركة استيراد هائلة للموسيقى ، وما الموسيقى الأمريكية الحديثة والتي تشيع في كل الدنيا إلا نتيجة استيراد موسيقات محلية من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإيرلندا وإفريقيا وجامايكا وغيرها ، وحاليا من الشرق الأوسط حتى أنهم أدخلوا ربع التون على موسيقاهم. ولم يكن الدافع إلا إيجاد صور جديدة للتعبير الموسيقي ، وهكذا تم إثراء الموسيقى الأمريكية وأخرج المزيج الجديد للعالم ، الذي استورد ذلك المزيج على أنه الموسيقى الحديثة والقادرة على إيصال نبضاتها إلى شعور أي إنسان في أي مجتمع مهما اختلف ، ولا شك في أن المهمة قد نجحت

8- نحن أيضا نستورد الموسيقى حتى وإن كانت نابعة من راعي بقر أمريكي أو مهرج مكسيكي أو عاشق فرنسي ونسمعها ونفهمها ونتأثر بها ، بل وأكثر من ذلك، وهذه حقيقة ، نتحسر لدى سماعنا لها على موسيقانا ورتابتها وسطحيتها. وماذا نقول في الآلات الغربية التي أدخلها ملحنو الشرق إلى الموسيقى الشرقية؟ لقد استمتعنا بأصوات البيانو والجيتار والأورج والأكورديون والفلوت والأبوا والآلات النحاسية وغيرها وكلها نابعة من بيئات مختلفة ، لكن هذا هو سر الموسيقى ، إنها لا تعرف الحواجز بين الشعوب ، فإذا وقفت اللغة عائقا فإن الموسيقى تذيبه في لحظات

9- ما هو موقفنا ، بل ما هو موقف العالم كله من شكسبير مثلا أو فولتير أو موليير أو تشارلز ديكنز أو برنارد شو؟ لقد تحدث هؤلاء الكبار وغيرهم في مسرحهم وشعرهم عن أحداث محلية ، لكنهم تخطوا الحاجز المحلي بالغوص في أغوار الشعور الإنساني من فرح وهم وألم وغضب وأمل وسعادة وهي أحاسيس يشترك فيها كل البشر فأصبح لأعمالهم صدى في كل مكان

10- إذا قصد بالموسيقى المحلية في المنطقة العربية مثلا القدود الحلبية والميجانا والموشحات فهذه قوالب بعيدة كل البعد عن شي اسمه التعبير ، ولا يصح معها اعتبار تأثر أي فرد خارج المنطقة بها ، ولكن حديثنا هنا ينصب أساسا على الموسيقى التعبيرية كما قصد سيد درويش في حديثه

11- الحقيقة أن أحدا لم يتمتع بعد بموهبة سيد درويش ولا قدراته التعبيرية ، وهو فنان متمكن من أدواته تماما، ومن هنا نجد له كل الحق فيما رآه، ولأن سيد درويش موهبة استثنائية وقدرة خارقة، ذلك الفنان الذي توفي شابا عن 31 عاما ومازلنا نتحدث عنه اليوم وبكل هذا العمق والاتساع. د.أسامة عفيفي - سيد درويش - نقد فني

عن أوبريت "الباروكة"
أوبريت "الباروكة " (جالبة الحظ) مأخوذ عن رواية "لاماسكوت" الفرنسية، وقد أصر سيد درويش وقتها على الاحتفاظ بالجو العام للرواية عن الريف الفرنسي واحتفظ بأسماء الشخصيات التي وردت فى النص الأصلي، فصور من خلال لحن "انسى الهموم أنسك يدوم" احتفال جمع الكروم، ومن خلال لحن "الشيطان" صراع الملائكة والشياطين أي بين الخير والشر، ومن لحن "أما أشوف وش الحبيب" علاقة الحب بين بطلي الأوبريت
بلغ سيد درويش بالمسرح أوجا جديدا فى التعبير فى أوبريت "الباروكة" التى قصد فيها توصيل رسالته بأقل قدر من التطريب ، وقد وصف سيد درويش هذا الاتجاه بأنه يهدف إلى الوصول إلى المجتمع الإنساني أينما كان ، ولهذا عليه تقليل الاعتماد على اللكنة الموسيقية المحلية حتى يفهمها ويستوعبها كل إنسان مهما كانت ثقافته ويظهر من هذا الوصف أنه كان بصدد حركة تطوير كبرى لم يمهله القدر لإكمالها 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق