كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الخميس، 12 نوفمبر 2009

أم كلثـــوم 1904 - 1975

كوكب الشرق أم كلثـــوم .. 
هكذا عرفها الملايين في العالم العربي على مدى نصف قرن من العطاء المتواصل والنجاح الباهر بصوتها الجميل وأدائها الرائع وتعبيرها الأخاذ وبأحب ما تغنى به الناس من كلمات وألحان
من فلاحة بسيطة في إحدى القرى إلى كوكب الشرق ، رحلة مليئة بالكفاح والإصرار على التفوق حتى آخر العمر. وفي وسط الحروب والصراعات والملوك والبسطاء غنت أم كلثوم لمجد الجميع ولرفعتهم وأنشدت ما اهتزت له مشاعر العرب شرقا وغربا على مدى عشرات السنين وشاركتهم أفراحهم كما واساتهم في أحزانهم

قيل في أم كلثوم أنه لم يجتمع العرب على شيء مثلما اجتمعوا في صوت أم كلثوم. أضحى الغناء بصوتها رمزا للعروبة إذ أنها كانت تتأنى كثيرا في اختيار ما تغنيه ، ولم تكن تقبل إلا شعر كبار الشعراء قديمهم وحديثهم. وقد غذت أم كلثوم بأغنياتها فرعا هاما من فروع القومية العربية باستطاعتها توحيد الوجدان العربي وتعبيرها عن المشاعر العربية الأصيلة كلاما ونغما وأداء

ياللي كان يشجيك أنيني - أم كلثوم 
كلمات أحمد رامي - ألحان رياض السنباطي
وقد عرف عن أم كلثوم شخصيتها القوية واحترامها لنفسها ولفنها فاحترمها الملوك والزعماء كما احترمها عامة الشعب وأحبها الناس في كل مكان ، وتفردت بمكانة عالية في الفن والمجتمع لم تصل إليها أية مطربة في الشرق
ولا شك أن النموذج الذي قدمته أم كلثوم يصب في خدمة الفن من عدة أوجه:
1 اختيارها للراقي من الكلمات وتفضيلها لشعر العربية الفصحى
ومن أهم قصائدها ولد الهدى ، سلوا قلبي ، نهج البردة لأحمد شوقي ، رباعيات الخيام ترجمة أحمد رامي ، أراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني و الأطلال لإبراهيم ناجي
2 اختيارها لأبرع الملحنين
وأهمهم محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب
3 حفاظها على الصورة المحترمة للفن
4 تطويعها للفن في خدمة قضايا أمتها العامة
5 إخلاصها لجمهورها بتقديم الجيد والجديد
رحلة أم كلثــوم 
 
البدايـــات الأولى 
عام 1904 ولدت فاطمة ابراهيم البلتاجي التي عرفت فيما بعد باسم أم كلثوم في قرية صغيرة قرب مدينة المنصورة تسمى طماي الزهايرة. لم يكن أحد يتوقع مستقبلا يذكر لطفلة أسرة فقيرة تقطن بقرية صغيرة ليس بها مدرسة واحدة ، لكن القدر خبأ لأم كلثوم مواعيد كثيرة

كان والد أم كلثوم الشيخ ابراهيم البلتاجي إمام مسجد القرية ، وإضافة لقراءته القرآن الكريم كان يحفظ الكثير من القصائد العربية والتواشيح الدينية التى كان أهل القرية والقرى المجاورة يدعونه لإنشادها فى المناسبات الدينية والاجتماعية. حفظت أم كلثوم عن والدها بعض القرآن وألحقها الشيخ بكتاب القرية ثم بمدرسة بمركز السنبلاوين القريب لتكمل حفظ أجزاء من القرآن ولتتعلم اللغة العربية. وكان يصطحبها وأخيها لليالي التي يحييها فحفظت عنه الكثير من التواشيح والقصائد 
عام 1917 بدأت أم كلثوم الغناء وهي فى الثالثة عشرة من عمرها مع فرقة أبيها متجولة في القرى والأرياف ، غالبا سيرا على الأقدام ، كمنشدة للتواشيح الدينية و القصائد ، وكانت ترتدي الزي العربي متشحة بعقال على رأسها. وسرعان ما ظهرت موهبة أم كلثوم فأصبحت منشد الفرقة الأساسي ، وتقول أم كلثوم أن الأسرة بدت وكأنها قد طافت بكل مكان في دلتا النيل قبل أن تضع قدما لها فى القاهرة التي نصحها الكثيرون بالذهاب إليها

مابين 1916 و 1919 التقت أم كلثوم باثنين من كبار الفنانين هما الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد ، وقد استمع كلاهما إلى صوتها وامتدحا أداءها لكنها لم تتعامل معهما فنيا إلا عندما استقرت بالقاهرة
عام 1920 غنت أم كلثوم في القاهرة لأول مرة ثم عادت إلى قريتها مبهورة بأضواء العاصمة وأملت في العودة إليها مرة أخرى

الحياة في العاصمة
عام 1921 عادت أم كلثوم فعلا إلى القاهرة لتغني مع فرقة والدها وواتتها الفرصة لكي يسمع صوتها جمهور العاصمة وفنانوها مثل الشيخ علي محمود والشيخ علي القصبجى والد محمد القصبجي والشيخ أبو العلا محمد ، وقد أعجب بصوتها وأصبح معلمها الأول ثم غنت له بعض القصائد وشجعها على ارتياد مجالات جديدة في الغناء غير التواشيح

عام 1923 بدأت أم كلثوم في إحياء حفلات لبعض أعيان القاهرة التي تم ترتيبها بواسطة متعهدي الحفلات في العاصمة ، وبدأ نجمها يسطع ودخلت في منافسة مع أشهر مطربات ذلك الوقت مثل نعيمة المصرية ، منيرة المهدية ، فاطمة سري و فتحية أحمد

عام 1924 قدم الشيخ أبو العلا أم كلثوم إلى الشاعر أحمد رامي الذى تولى تعليمها أصول اللغة والشعر ، وأظهرت استعدادا كبيرا للتعلم فتحسن مستواها وأضافت مهارات جديدة إلى مهاراتها الغنائية. ومع استعدادها الشخصي للتطور أتيحت لها فرصة اكتساب أسلوب حياة المدينة باختلاطها بسيدات الطبقة الراقية من خلال حفلاتها في العاصمة فغيرت من مظهرها وأسلوبها وأصبح لها كيان جديد
 

البدايات الكبرى 
عام 1924 كان عام البدايات الكبرى لأم كلثوم ، وفي ذلك العام تعرفت على نخبة من صفوة الفنانين والشعراء كانوا لها أفضل معين على ارتياد الصحيح والجيد من آفاق الفن ، ولم يكن هؤلاء مجرد معلمين لها بل ساهموا بشكل كبير في تشكيل شخصية أم كلثوم والانتقال بها من فتاة ريفية بسيطة إلى شخصية عامة ، ومن هؤلاء من الملحنين الشيخ أبو العلا محمد والأستاذ محمد القصبجي ومن الشعراء أحمد رامي وأحمد شوقي


أم كلثوم تغنى للقصبجي
عام 1924 سجلت أم كلثوم بصوتها لإحدى شركات الاسطوانات أحد ألحان الموسيقار محمد القصبجي قبل أن تتعرف إليه هو طقطوقة قال إيه حلف ما يكلمنيش مقام راست من كلمات أحمد رامي. وكمن عثر على كنز قرر صاحب الشركة تعريفها بالموسيقار صاحب اللحن فقدمها إليه ثم قام القصبحي بتدريبها بعد ذلك وتعليمها المقامات الموسيقية والعود، كما بدأ يلحن لها أغنيات خاصة بها. وحتى عام 1928 كان قد لحن لها 17 أغنية ما بين الطقطوقة والمونولوج منها ينوبك إيه من تعذيبي ، قلبك غدر بي ، تراعي غيري ، أحبك وانت مش داري ونشأت بينهما صداقة فنية استمرت حتى وفاته عام 1966

وقد يجدر بنا التوقف لحظة عند هذا الحدث قبل متابعة رحلة أم كلثوم ، فإنه يظهر من متابعة أسلوب التعامل مع شركات الإنتاج في ذلك الوقت أنها كانت تقبل ألحانا من ملحنيها دون غنائها بواسطة مطرب معين ، وتشتري من الملحن حق التصرف في اللحن بتسجيله وطبعه ونشره وإسناده أيضا إلى مطرب أو آخر ممن يتعاملون معها دون ضرورة للقاء الملحن والمطرب. وقد قام بهذا محمد القصبجي وزكريا أحمد ، كما قام به قبلهم سيد درويش ، وهذا هو سر غناء أم كلثوم بل تسجيلها لأحد ألحان القصبجي قبل أن تلتقى به

أم كلثوم تغني أغنياتها الخاصة
في نفس العام 1924 تعرفت أم كلثوم إلى طبيب أسنان يهوى الموسيقى هو أحمد صبري النجريدي ، وغنت من ألحانه 14 أغنية منها قصيدة مالي فتنت بلحظك الفتان مقام بياتي من شعر علي الجارم ، أنا على كيفك مقام بياتي من كلمات أحمد رامي ، مونولوج الحب كان من سنين مقام جهاركاه ، الفل والياسمين مقام نهاوند
والدكتور أحمد صبري هو أول ملحن يلحن لأم كلثوم ألحانا خاصة بها ، إذ أنها قبل ذلك كانت تغني إما ألحانا سبق غناؤها بواسطة مطربين آخرين أو كما حدث مع محمد القصبجي تغني لصالح شركات الإنتاج ما يعرض عليها من ألحان

عام 1926 تكونت لأم كلثوم فرقتها الموسيقية بقيادة محمد القصبجي الذي اختار لها أمهر العازفين وبدأ يزودها بألحانه ، ومع ازدياد نشاطها بدأ صوتها يلفت الانتباه وظهر اسمها في بعض الصحف ودخلت بذلك في منافسة قوية مع أكبر مطربتين من ذوات الألقاب الرنانة وهما سلطانة الطرب منيرة المهدية، وكانت لها فرقتها الغنائية والمسرحية الخاصة ، ومطربة القطرين (مصر وسوريا) فتحية أحمد، وقد غنت كلاهما لكبار الملحنين بما فيهم سيد درويش نفسه ، وبدأت مع الفرقة الحديثة تقديم حفلاتها على نفس الدور الكبرى التي شهدت حفلات المشاهير

عام 1928 أيضا غنت أم كلثوم أول أغنية لها من قالب المونولوج من ألحان القصبجي هى "إن كنت اسامح" ، وقد لاقت نجاحا كبيرا ، وكانت حتى ذلك الوقت قد غنت له مجموعة كبيرة من الأغاني بدءا من عام 1924 معظمها من كلمات أحمد رامي. وشهد نفس العام منافسة كبرى بينها وبين محمد عبد الوهاب ليس فقط من حيث الغناء بل من حيث تقديم الجديد الحديث ، ولمحمد القصبجي الفضل الأول في هذه المنافسة الجديدة بألحانه المتطورة

عام 1928 أيضا سجلت أم كلثوم 4 قصائد للشيخ أبو العلا أعقبتها 4 قصائد أخرى عام 1930 أشهرها أفديه إن حفظ الهوى لابن النبيه المصري ، مقام بياتي ، وحقك أنت المنى والطلب لعبد الله الشبراوي ، مقام هزام ، الصب تفضحه عيونه لأحمد رامي ، مقام بياتي ، وأراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني ، مقام بياتي ، التي أعاد تلحينها رياض السنباطي لأم كلثوم من مقام الكورد عام 1964 ، وهي قصيدة غناها المطرب الشهير عبده الحامولي في القرن 19

ولنا وقفة قصيرة عند قصائد أبو العلا ، فقصائد الشيخ قد سبق تقديمها قبل أم كلثوم ولم تكن ألحانا خاصة بها ، وقد كان شائعا في أوائل القرن العشرين أن يقدم المطربون قصائد بعينها بصرف النظر عن تفرد أحدهم بها. وكانت المباراة بين المطربين تكمن في كيفية أداء نفس القصيدة وهنا تظهر موهبة وإمكانيات كل صوت. أما ما استجد بعد ذلك من تخصيص أغنيات معينة لكل مطرب لا يغني سواها فقد أدى إلى انعدام هذا النوع من المنافسة القوية وظهور مطربين لا يجيدون غناء أي شيء إلا ما تم وضعه تحديدا لهم حسب إمكانيات أصواتهم ولن ينافسهم فيها أحد، وإلى أن وصل الحال مع نهاية القرن العشرين إلى دخول غير الموهوبين ميدان الغناء مما أحدث كثيرا من الفوضى الغنائية

عام 1930 شهد بداية طفرة كبيرة استمرت حتى عام 1932 في إنتاج أم كلثوم من حيث كم الأغاني وعدد الملحنين ، فقد قدمت في تلك الفترة القصيرة أكثر من 50 أغنية جديدة. وغنت في نفس الوقت لأربعة ملحنين هم محمد القصبجي، داود حسني، والشيخ أبو العلا، وزكريا أحمد. ولم يستمر هذا الوضع طويلا فقد فضلت أم كلثوم بعد ذلك الاقتصار على ملحن واحد لفترة زمنية طويلة تنتقل بعده إلى ملحن آخر لفترة أخرى ، ماعدا فترة الأربعينات حيث كانت تغني للثلاثة الكبار معا ، القصبجي وزكريا والسنباطي ، والستينات التي شهدت تنافسا كبيرا بين ثلاثة أيضا هم محمد عبد الوهاب والسنباطي وبليغ حمدي
 
أم كلثوم تغني لداود حسني
فى نفس العام 1930 بدأت أم كلثوم التعامل مع الموسيقار داود حسني الذي لحن لها عشرة ألحان من قالب الدور ، منها شرف حبيب القلب مقام حجازكار ، البعد علمني السهر مقام بياتي ، يوم الحنة مقام راحة أرواح ، قلبي عرف معنى الأشواق مقام صبا ، كنت خالي مقام بياتي ، وطقطوقة واحدة هى جنة نعيمي مقام حجازكار. وداود حسني وهو أحد اثنين من أساتذة الموسيقى الأكاديميين الكبار ثانيهما هو كامل الخلعي ، ظهرا قبل عصر سيد درويش واستمرا بعده

الشيخ زكريا يلحن لأم كلثوم
عام 1931 غنت أم كلثوم لأول مرة من ألحان الشيخ زكريا أحمد اللي حبك يا هناه وهي طقطوقة من مقام الراست من كلمات أحمد رامي. وفي خلال عامي 1931 و 1932 غنت من ألحانه 15 أغنية منها خمسة أدوار من الأدوار التسعة التى لحنها زكريا لأم كلثوم أشهرها ياقلبي كان مالك مقام راست ، هوه ده يخلص من الله مقام زنجران و إمتى الهوى مقام راحة أرواح

أم كلثوم تجرب التلحين
عام 1932 أضافت إلى قائمة ملحنيها ملحن جديد هو أم كلثوم نفسها ، فقد قامت بوضع أول لحن لها في طقطوقة على عيني الهجر ، مقام راست ، وكررت تجربة التلحين مرة أخرى في مونولوج يا نسيم الفجر عام 1934 لكنها توقفت عن التلحين تماما بعد ذلك. وربما أدركت من تلك التجربة أنها لن تصل في التلحين إلى قمة ما ، وتعلمت أن التلحين موضوع مختلف تماما ومن ثم اقتصر نشاطها على الغناء

عصر الإذاعة والحفلات
عام 1934 دعت الإذاعة المصرية أم كلثوم للمشاركة في افتتاح الإذاعة بصوتها
في نفس العام بدأت إقامة حفلات شهرية استمرت كتقليد منتظم لمدة 40 عاما حتى عام 1973 ، وفي تلك الحفلات كانت تقدم أغنياتها الجديدة ، ولاقت تلك الحفلات نجاحا استقطب الجمهور من جميع البلاد العربية
وكان فضل الإذاعة كبيرا على أم كلثوم حيث ظلت تنقل حفلاتها الشهرية مباشرة على الهواء فى الخميس الأول من كل شهر فسمعها الملايين في كل مكان

ظهور السنباطى
عام 1936 غنت أم كلثوم لرياض السنباطي لأول مرة من كلمات أحمد رامي على بلد المحبوب مقام بياتي. وقد أدى ظهور السنباطي في حياة أم كلثوم الفنية إلى مرحلة جديدة في فن أم كلثوم تقودها ألحانه استمرت لأربعة عقود حتى عام 1973 ، وهو الملحن الوحيد الذي استمر يلحن لها بانتظام دون انقطاع تقريبا
أم كلثوم في السينما
عام 1936 ظهرت أم كلثوم في أول فيلم سينمائي بعنوان وداد قصة أحمد رامي قامت ببطولته تمثيلا وغناء ، تلته خمسة أفلام أخرى قدمت فيها العديد من الأغاني لكبار الملحنين كان آخرها فيلم فاطمة 1947 وهو آخر ظهور لها في السينما ، والأفلام هي
وداد         1936 
نشيد الأمل 1937

دنانير       1940
عايدة       1942

سلاّمة      1945
فاطمة      
1947

وقد يكون من المناسب هنا عقد مقارنة بين كل من عبد الوهاب وأم كلثوم في ظهورهما في السينما فهناك ملاحظات لافتة للنظر

...................          عبد الوهاب               أم كلثوم 

عدد الأفـلام                   7                           6
فترة الظهور         1933 - 1947           1936 - 1947
تمثيل وغناء                  7                           6
غنــــاء فقط                  2
(بعد 47)                 --
صـوت فقط                   1
( بعد 47)                1 (بعد 47)
نوع الغنــاء                خفيف                       خفيف
الألحــــــان           عبد الوهاب فقط               3 ملحنيــن 


من هذه المقارنة يتضح لنا اقتراب كل المؤشرات من بعضها وقد اجتمع الاثنان في أن أهم أعمالهما وهي القصائد الكبرى كانت خارج نطاق السينما ، ماعدا مؤشر واحد هو أخطرها جميعا ، فتكفي نظرة سريعة إلى الفرق في الألحان لندرك من هو محمد عبد الوهاب ، إذ أنه لم يكن يواجه فقط منافسة صوت أم كلثوم وإنما مع صوتها ثلاثة ملحنين فطاحل هم محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي ، وقد أثبت بذلك أنه مدرسة مستقلة متكاملة!

من أشهر أغاني أم كلثوم في السينما عن العشاق سألوني ، مقام شوق أفزا ، سلام الله ، مقام راست، قوللي ولا تخبيش يا زين ، مقام هزام ، وغني لي شوي شوي مقام راست ، وجميعها من فيلم سلاّمة ومن ألحان زكريا أحمد وكلمات بيرم التونسي

عام 1938 غنت أم كلثوم آخر ما قدمه الشرق من الأدوار الغنائية التي ابتدع قالبها محمد عثمان في القرن التاسع عشر، وهو دور عادت ليالي الهنا لزكريا أحمد مقام بياتي من كلمات أحمد رامي. ولا يذكر بعد هذا الدور أية أدوار جديدة لها أو لغيرها من المطربين ، وهو أحد تسعة أدوار أبدعها لها الشيخ زكريا أشهرها هوه ده يخلص من الله من مقام الزنجران، المقام الذى ابتكره الشيخ سيد درويش، وإمتى الهوى مقام راحة أرواح. ويضاف إلى قائمة أدوار زكريا لأم كلثوم أدوار داود حسني العشرة، أما الملحنين الآخرين فلم تغن لأحد منهم من ذلك القالب

عام 1939 قدم رياض السنباطي شيئا جديدا رقيقا لأم كلثوم في أغنية "فاكر لما كنت جنبي" من كلمات أحمد رامي، مقام بياتي، وبدت أم كلثوم في هذا الرداء الجديد بأداء جديد. والأغنية ليست من نوع الطقاطيق الخفيفة كما أنها ليست قصيدة وليست من قالب الدور في شيء ، وبدأت معها سلسلة من أغاني أم كلثوم العاطفية المطولة لكنها حديثة الروح والقالب استمرت بعد ذلك لسنوات طويلة من صنع رياض ورامي. لكنها لم تكن سهلة التحقيق فقد مرت سنوات قبل أن يقدم السنباطي لحنه الثاني في تلك السلسلة "غلبت اصالح" عام 1946 ثم اللحن الثالث ياللي كان يشجيك أنيني عام 1949 ثم سهران لوحدي 1950 وجددت حبك ليه 1952 إلى آخر السلسلة التي استمرت في الستينات أيضا. لم يتوقف السنباطي تماما في السنوات التالية عن التلحين لأم كلثوم في تلك الفترة فقد قدم لأم كلثوم ليلة العيد عام 1940 لكنه بقي بعيدا حتى عام 1945 حين عاد إليها في فيلم سلاّمة بلحن أحب القس سلاّمة ، ثم كان عليه أن ينتظر عاما آخر ليفجر ينابيعه الكبرى الثلاث ، سلوا قلبي، 
نهج البردة، ولد الهدى من شعر أحمد شوقي

ويعود تأخر ظهور السلسلة العاطفية لثنائي السنباطى وأحمد رامي لسببين هامين
أولهما أن هذا الثنائي، على قدرته، لم يستطع مواجهة التيار الجارف الذي شكله الثنائي الخطير زكريا أحمد وبيرم التونسي اللذين قادا موجة أم كلثوم لقرابة عقد كامل سيطرا فيه على الساحة الفنية بأغاني أم كلثوم التي اعتمدت على خلفيات موغلة في الشعبية كلمة ولحنا أكسبتها المكان الأقرب إلى قلوب الجماهير
ثانيهما انشغال أم كلثوم بالسينما تمثيلا وغناء من ألحان الشيخ زكريا والقصبجي

شكل تيار الشيخ زكريا - بيرم تنوعا من الأعمال العاطفية والدرامية في سلسلة كلها من أبدع ما أنتجت الموسيقى العربية
أما أغنية يا ليلة العيد لحن السنباطي وكلمات أحمد رامي فقد أضحت من معالم الاحتفال بليلة العيد في الأقطار العربية ، وكتبت أصلا للتهنئة بالعيد قائلة في مطلعها يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا
وقد اشتركت كأغنية عيد مع رائعة زكريا أحمد الليلة عيد من كلمات بيرم التونسي وهي في الأصل أغنية عاطفية تبدأ "حبيبي يسعد أوقاته" لكنها عبقرية الشيخ زكريا التي حولت المقطع "الليلة عيد .. ع الدنيا سعيد" إلى مناسبة اجتماعية وفرح شعبي يتغنى به الناس ليلة ظهور هلال العيد كل عام
أعمال ثنائي زكريا - بيرم لأم كلثوم في الأربعينات

1941 كل الأحبة - راسـت - أغنية
1941 أنا وانت - هـــزام - أغنية
1942 أنا في انتظارك - حجـــاز - أغنية
1943 الآهات - هـــزام - أغنية
1943 حبيبي يسعد أوقاته - بيــاتي - أغنية
1943 اكتب لي - بيــاتي - أغنية
1943 احنا احنا وحدينا - راحة أرواح - ديالوج
1944 الأوله في الغرام - حجــاز - أغنية
1944 أهل الهوى - نهاوند - أغنية 
1945 عن العشاق سألوني - شوق أفزا - دراما سينمائية
1945 قوللي ولا تخبيش يا زين - هـــزام - دراما سينمائية
1945 غني لي شوي شوي - راسـت - دراما سينمائية
1946 الأمل - راسـت - أغنية
1946 الحلم - سوزناك - أغنية
1947 جمال الدنيا - شـوري - دراما سينمائية
1947 نصرة قوية - راسـت - دراما سينمائية
1947 الورد جميل - هـــزام - دراما سينمائية 

ســـر أحمد رامي
هناك ملاحظة جديرة بالتسجيل في أعمال أم كلثوم، فرغم اختلاف الملحنين وتقاسمهم فترات التلحين لها إلا أن الشاعر أحمد رامي كان القاسم المشترك بينهم، وقد لحن كلماته لأم كلثوم منذ عام 1924 وحتى عام 1972 كل من أحمد صبري النجريدي ، محمد القصبجي ، داود حسني ، زكريا أحمد ، رياض السنباطي ، محمد عبد الوهاب ، وسيد مكاوي ، وقد بلغ ما كتبه لها عدة مئات من الأغانى على مدى نصف قرن من الزمان

عام 1941 رق الحبيب - محمد القصبجي
في ذلك العام تم الاختراق الفني الأكبر لجدار أم كلثوم القديم الذي أحاط بأم كلثوم من كل جانب على يد الموسيقار محمد القصبجي، وقد تم له ما أراد ليس فقط في كسر الحصار بل والتفوق على منافسيه في رائعته الرومانسية رق الحبيب من مقام النهاوند التي جابت شهرتها الآفاق. وربما ساهمت في إفاقة الناس من الانغماس الشديد في أجواء التطريب والسلطنة إلى التحليق في سماء التعبير وارتقاء درجات جديدة في التطور الموسيقى، وتعتبر بحق من أفضل كلاسيكيات الموسيقى العربية. وعشاق تلك الأغنية لا يملون سماعها حتى لو أعيدت عشرات المرات لما لها من جاذبية في اللحن والأداء وهي قمة في اللحن والموسيقى الشرقية لا تتقادم رغم مرور الزمن، وبها صعدت أم كلثوم إلى مكانة أعلى في الغناء ولم يعد أحد قادرا على اللحاق بها فضلا عن منافستها

ورغم ذلك فإن تلك الأغنية كانت ختام ألحان القصبجى الطويلة لأم كلثوم، وقيل عن القصبجي في أسباب توقفه عن التلحين لأم كلثوم عام 1947 أنه قد نضب فنه ولم يعد قادرا على تقديم ألحان جديدة، لكنا نعتقد أن هذه تهمة باطلة القصبجي برئ منها تماما. ولا يعقل أن من يجود بلحن كهذا تفلس قريحته فجأة عن غير مرض يصيبه في صميم عقله ونفسيته وهو الملحن الموهوب معلم الأساتذة وسابق عصره في التطوير والتحديث
وقد أشرنا في مواضع أخرى من هذا الموقع إلى ألأسباب المحتملة لذلك التوقف، وقد تكون لنا فيه عودة إن استلزم الأمر

عام 1946 بداية القصائد الكبرى
شهد عام 1946 بداية القصائد الكبرى لأم كلثوم وشهد عودة السنباطي للتلحين لأم كلثوم ، وقد قدمت ثلاث قصائد لأمير الشعراء أحمد شوقي من ألحان رياض السنباطي اعتلت بها قمة جديدة ليس فى الغناء الشرقي فقط بل في تقديم نفسها كشخصية ثقافية مؤثرة في العالم العربى ، فقد كانت أصداء شعر شوقي تعبر مسافات كبيرة في الجغرافيا والتاريخ بسرعة الصوت على موجة صوت أم كلثوم الشجي فتدخل القلوب وتهز المشاعر
فقصيدة 
سلوا قلبي تتحدث عن المجد العربي الإسلامي بكل فخر واعتزاز كما أنها تدعو للصبر عند الشدائد وتحفز الهمم لاعتلاء قمم المجد القديم وتعزز من شعور الناس بقوميتهم. أما نهج البردة فهي على نمط قصيدة البردة التاريخية في مدح الرسول الكريم، وقصيدة ولد الهدى تتحث في نفس الموضوع. ولا شك أن هذه الأفكار قد تلقاها الناس بكل ترحاب بل ساعدتهم على إذكاء روح الانتماء إلى الشخصية العربية الأصيلة ذات الجذور التاريخية العميقة وذات التأثير في تاريخ العالم كله، وذلك في وقت سادت فيه القوى الأجنبية التي احتلت معظم أنحاء العالم العربي وحاولت محو الهوية العربية تماما في بعض أجزائه

عام 1946 شهد أيضا مولد ثاني أغنية عاطفية طويلة لأم كلثوم من ألحان رياض السنباطي الذى تألق أيضا في هذا الميدان كملحن فذ، "غلبت اصالح في روحي" مقام نهاوند من كلمات أحمد رامي
عام 1947 آخر أفلام أم كلثوم
قدمت أم كلثوم آخر أفلامها فاطمة في ذلك العام عن قصة مصطفى أمين وقامت ببطولته تمثيلا وغناء أمام أنور وجدي، وبه عدد من الأغاني الدرامية 
جاءت أغنية ح اقابله بكرة مقام راست من تلحين رياض السنباطي كاستمرار لنموذج الأغنية الخفيفة السريعة المتطورة لحنا وإيقاعا، وهو النموذج الذي ابتدعه وبرع فيه محمد القصبجي 
ولنتوقف قليلا عند أغنية نصرة قوية لزكريا أحمد ولنتأمل صوت أم كلثوم الممتد في ختام تلك الأغنية لنعرف لماذا يقال عن صوت أم كلثوم أنه معجزة، إن هذا الختام وحده يكفل لها استحقاق هذه الصفة
عام 1947 أيضا غنت أم كلثوم من ألحان الشيخ زكريا احمد أغنيتها الشهيرة الورد جميل وهي لا تزال تذاع لليوم، وهى أغنية وصفية يصف فيها بيرم التونسي لغة الزهور وألوانها ويقابل فى تأملات فلسفية بينها وبين لغة البشر وتعبيراتهم 

بعد ذلك العام خلت ساحة أم كلثوم لثنائي رياض - رامي من جديد بعد أن اختلفت مع كل من القصبجي وزكريا أحمد لأسباب مختلفة جاء ذكرها على صفحات كل منهما

عام 1949 قدمت أم كلثوم لحنين من روائع الألحان العربية أحدهما "ياللى كان يشجيك أنيني"، مقام كورد، وهي أغنية غاية في العذوبة تقطر شرقية، وإن عابها من ناحية الكلمات نموذج المحب الذليل خاصة في البيت "عزة جمالك فين من غير ذليل يهواه". ولا شك أن هذا الذل الصريح لم يكتب له الحياة طويلا في دنيا الفن في ظل القيم التحررية الصاعدة وكان نموذجا من الماضي بكل المقاييس. أما لحنا فقد شكلت في مجملها مع سابقتيها غلبت اصالح وفاكر لما كنت جنبي قاعدة أساسية لما سارت عليه ألحان السنباطي العاطفية لأم كلثوم بعد ذلك إذ أنه لم يخرج كثيرا عن الخطوط العريضة التي وضعها في تلك الألحان الثلاثة. وقد أحبت أم كلثوم هذا اللون من الغناء وأصبح أسلوبها المفضل في الغناء العاطفي لعقدين من الزمان، ويظهر في أغاني السنباطي تلك كثير من أساليب محمد القصبجي الذي تأثر به السنباطي كثيرا

عام 1949 رباعيات الخيام
رباعيات الخيام نقلة نوعية كبيرة في الأغنية العربية، فهي أولا تراث مترجم وليس عربي الأصل، وشاعرها الأصلي هو الشاعر الفارسي عمر الخيام، لكن يجمع بين الثقافتين الثقافة الإسلامية الواضحة في المعاني فبينما يشترك كل البشر في نفس التساؤل في الأبيات
 
لبست ثوب العيش لم أســتشر وحرت فيه بين شتى الفكـر
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المفـر
فإن الإجابة بالقطع إجابة إسلامية كما يظهر في الأبيات
إن لم أكن أخلصت في طاعتـك فإنني أطمع في رحمتــــك
وإنمـــــا يشــــــفع لي أنني قد عشت لا أشرك في وحدتك

وقد ترجمها عن الفارسية الشاعر أحمد رامي الذي صاغها في هيئة رباعيات أي في مقاطع صغيرة كل منها يتكون من أربع شطرات على قافية واحدة ماعدا الثالثة منها، وكل مقطع يأتي على نفس النمط ولكن بقافية جديدة. وهو شكل جديد في القصيدة العربية أقرب إلى أشكال الزجل منه إلى القصيدة العمودية التقليدية
بانضمام هذه القصيدة الفلسفية إلى قائمة قصائد أم كلثوم الدينية لشوقي أصبح لها رصيد ثقافي هائل امتلكت به أدوات الرقي والسمو والترفع عن اللهو. وأضاف ذلك الرصيد ايضا إلى مكانة الملحن، وبذلك ضمت قافلة الرواد ملحنا جديدا وميدانا جديدا جعلت للفن والفنانين عموما صورة جديرة بالاحترام ومكانة عالية بين الناس
وقد صاغ السنباطي لحن الرباعيات من مقام الراست الشرقي الأصيل ولكنه تنقل بين المقامات على طول القصيدة، وهي لحنا من أمتع ما يستمع إليه من موسيقى عربية
للحديث بقية ، تابع معنا رحلة أم كلثوم الشيقة ، بحث وتحرير د.أسامة عفيفي ، أم كلثوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق