كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الاثنين، 3 مايو 2010

حوار الموسيقى والكمنجة مع الأستاذ الفنان أحمد الجوادي 2

يمكن الضغط على هذا الرابط لقراءة الجزء الأول من الحوار

فاضل: الكمان آلة تصدر صوتاً على الوتر أينما وضعنا الاصبع. كيف يمكن أن نضمن عزف الأصوات بدقة حسب تعريف المقامات في المناهج والمدارس المذكورة أعلاه؟ مثلا، درجة المي في السيكا تختلف عن المي في البيات، وهكذا؟ هل ذلك مدون في النوتة الموسيقية والمناهج بدقة؟
أحمد: هذا موضوع يطول شرحه وهو موضوع غاية في الأهمية. العزف الدقيق يأتي من الخبرة الطويلة ومن الدراسة الجيدة والممتازة. أما الكلام عن الفروقات بين أرباع التون واختلافها من مقام لمقام، فهذا موضوع شائك. فأولاً ربع التون، يختلف بحسب المنطقة الجغرافية ويختلف استخدامه من بعض المقامات للبعض الآخر. فربع التون في مقام الراست على سبيل المثال هو ليس نفسه الذي يشابهه في مقام الصبا! ولو تعمقنا أكثر فحتى أنصاف التون تختلف من مقام لآخر! لكن أثناء العزف اليوم مع الفرق الكبيرة والتي تحوي على آلات ثابتة مثل الأورج والجيتار، يكون على العازفين هنا أن يتناسوا هذا الموضوع لأنهم لو عزفوا مثلا نوتة مي بيمول بشكلين، فسوف يتسبب ذلك في أن يصبح العزف نشازاً بسبب اختلافهم مع الآلات الثابتة. لكنه حينما يعزف مع تخت عربي يخلو من مثل هذه الآلات، فعلى العازف أن يراعي هذه الفروقات. هذا الكلام ليس موجوداً في الموسيقى العربية فحسب، بل هو نفسه في الموسيقى الكلاسيكية. فحينما يعزف عازف الكمان عملا مع البيانو، فذلك يطلب منه أن يراعي السلم المعدل، وحينما يعزف مع رباعي وتري، يتحول العزف ليصبح على السلم الطبيعي.
فاضل: كيف يتعلم المتعلم على دوزان غربي وشرقي معا؟ متى يبدأ في التعلم على دوزانين وكيف يوفق في تمارينه؟ هل يقدم أحدهما في الأهمية على الآخر؟
أحمد: هذا ليس صعباً، وهو يحتاج لبعض الممارسة. هو بالضبط كالكتابة على لوحة المفاتيح للحاسوب. فمن لديه خبرة جيدة في الكتابة على الحاسبوب باستخدام الأصابع التسعة وبدون النظر إلى لوحة المفاتيح، حينها، يقوم بتغيير اللغة من العربية إلى الإنجليزية إلى السويدية - على سبيل المثال- و يصبح ذلك عملية تلقائية وتكون بدون تفكير. أغلبنا يكتب بأكثر من لغة ونعرف ماذا أقصد. استخدام دوزانين شيء مشابه لكتابة أكثر من لغة على لوحة المفاتيح. لا ننسى بأن هناك الكثير من العازفين ممن يجيدون قراءة مفتاح صول في الكمان وهم أنفسهم حينما يعزفون آلة الفيولا، يقرأون مفتاح دو وبمنتهى السهولة والتلقائية. ولدي الكثير من الأصدقاء والزملاء ممن يجيدون هذا. أما بالنسبة للأهمية والأولوية، فهناك بعض العازفين ممن يستخدمون الدوزان الشرقي أكثر بكثير من الدوزان الغربي. مثل هؤلاء، يسهل عليهم استخدام دوزان واحد و لكن مثل هؤلاء في يومنا هذا قلةٌ. لكن العازفين الذين يتمكنون من العزف على الدوزانين بنفس الكفاءة يمكنهم أن يختاروا الأسهل حسب الأغنية أو المعزوفة وذلك أثناء التسجيل في الاستوديو. فمثلا لو كانت الأغنية من سلم الصبا على درجة صول، فسيصعب نسبياً عزفها على الدوزان الغربي ولو كان السلم بياتاً على درجة سي وكانت هناك لازمات موسيقية سريعة وعلى المكان العالي في الكمان، فسيفضل بعض العازفين استخدام الدوزان الغربي.
فاضل: ما هو الدوزان الشرقي الذي تفضله؟ هناك الدوزان الشهير صول ري صول ري وهناك صول ري صول دو وعدة دوزانات أخرى؟
حينما أنصب الكمان على الدوزان الشرقي، فإني أفضل استخدام الدوزان المستخدم الآن وهو صول ري صول ري. لكنني أحياناً قليلة أحب أن أستخدم الدوزان القديم. هناك أيضاً الدوزان التركي وتوجد عدة أنواع من الدوزان للكمان.
هناك الكثير من يسمون الدوزان العربي القديم باسم "دوزان تركي"، في حين أن الدوزان التركي يختلف عن الدوزان العربي القديم (لست متأكدا وربما يكون الأتراك استخدموا هذا الدوزان في زمن مضى). أنا أتكلم عن الدوزان الذي هو من الوتر الغليظ (صول ري صول دو)، هذا الدوزان كان هو الشائع وأشهر من بقي يستخدمه حتى اليوم هو عازف الكمان الكبير عبدو داغر و قبله كان أحمد الحفناوي و قبلهما كان سامي الشوا. الدوزان التركي هو من الوتر الغليظ (صول ري لا ري)، أما الدوزان العربي الحديث فهو (صول ري صول ري).

هنا علي أن أنوه إلى أنه توجد أنواع أخرى من الدوزان. ففي الموسيقى الشعبية السويدية يستخدم بعض العازفين دوزاناً يشبه كثيراً الدوزان العربي الحديث، لكنه مرفوع توناً كاملاً للأعلى أي (لا مي لا مي). وأحيانا يستخدم بعض المؤلفين دوزاناً مختلفاً لعزف سولو معين. مثلا، في الحركة الثانية من سيمفونية ماهلر الرابعة، يستخدم عازف الكمان الأول أو الكونسيرتماستر، كمانين. الأول يستخدمه في باقي الحركات وفي الحركة الثانية يستخدم كماناً آخر يقوم بدوزانه الدوزان الغربي لكن بتون أعلى أي تكون الأوتار (لا مي سي فا دييز). لكن باقي عازفي الأوركسترا يستخدمون الدوزان العادي و يبقى عازف الكمان الأول هو الوحيد الذي يستخدم هذا الدوزان لعزف السولو الذي كتبه ماهلر. هذا هو تسجيل لهذه الحركة. لاحظ أن الكونسيرتماستر (أو رائد الأوركسترا) كما يسميه البعض أو كما يسميه البعض (Leader).:


وهذا هو عبدو داغر وهو يستخدم الدوزان العربي القديم (يجدر بالذكر بأن العم عبدو يحلو له أن يستخدم ما تسمى بالطبقة الصغيرة أي أن يصار إلى خفض جميع أوتار الكمان توناً للأسفل:

وهذا المبدع الكبير الأستاذ الحاج سعد محمد حسن يستخدم الدوزان العربي الحديث

فاضل: كيف ترى فكرة نظام الكومات؟ أين هي الآن؟
أحمد: أنا لا أؤمن به لأننا وببساطة شديدة الآن في عصر الحاسوب و من الممكن أن تقسم التون إلى أي نوع من الأجزاء سواءاً كانت تسعة أو ثمانية أو مائة أو ألف أو حتى أكثر من ذلك. في بداية القرن المنصرم أي القرن العشرين، بدأ الكثير من المؤلفين بالاتجاه لاستخدام سلالم أخرى للتأليف الموسيقي، مثل السلم السداسي وسلالم الكروماتيك وحتى ربع التون (لا أقصد هنا بربع التون في مفهومنا نحن الشرقيين)، وبعضهم استخدم ما يدعى بالمايكروتون. وفي أيامنا هذه يوجد الكثير من المؤلفين ممن يؤلفون على المايكروتون. لقد كان الموسيقيون العاملون في المجال النظري، كثيراً ما يستخدمون هذه الألفاظ. ولا زال الكثير حتى يومنا هذا متمسكاً بها، علما بأنها أصبحت قديمة جداً. وكيف يمكن تقسيم التون لتسعة أجزاء متساوية بدون استخدام أجهزة متطورة؟ هناك من يقسم التون إلى ثمانية أجزاء صغيرة وهناك من يقسم الأوكتاف إلى 22 ربع تون بدلا من 24 ربع تون. نعم، الموسيقى مقترنة إلى حد كبير بالرياضيات والفيزياء، لكن ليس بهذا الشكل. في كل عصر، كان هناك ثائرون على الموسيقى التي في وقتهم. فمثلا موتسارت لم يتبع من قبله مثل باخ وهاندل، بل مشي في طريق جديد. وأتى بيتهوفن ليجدد أكثر وهكذا دواليك. و نحن حتى يومنا هذا، لازلنا نتكلم عن الكوما. هل هناك عازف كمان على سبيل المثال يستطيع التحكم بنظام الكوما والعزف عليه بشكل دقيق بحيث لو أننا أدخلنا عزفه على أحد برامج الكومبيوتر وحللنا هذا العزف لوجدنا أنه أثناء العزف فهو يقسم التون إلى تسع كومات باستمرار و على طول الطريق؟ هذا غير ممكن بتاتاً و حتى في الموسيقى الغربية ولدى كبار العازفين، فالنوتات تختلف من حين إلى آخر ولا أعني أن العازف يعزف نشازاً، بل هكذا يجب أن يكون.

هنا علي أن أشير إلى أن هذا النظام قد وجد قبل فترة طويلة، و لو كان الغرض منه وضع أو تثبيت الفرق بين النوتات المتشابهة في الاسم فهذا لا بأس به ولكن كيف يكون ذلك؟ لو قسمنا المسافة بين نوتتي ري و مي إلى تسعة أقسام أو كومات، وحاولنا أن نعزف في آلة ثابتة مثل البيانو نوتة مي بيمول فهي سوف تقع بين الكومة الرابعة و الخامسة، أي أنها تقع على الكومة رقم 4:5 وبتقسيم الكومات فهذا غير موجود. لكن على أرض واقع الموسيقى العربية، لو عزفت نوتة مي بيمول التابعة لسلم نهاوند على دو، فسوف تقع على الكومة الرابعة ولو عزفت نوتة مي بيمول التابعة لسلم الكرد (على ري)، لوقعت على الكومة الخامسة. هذا شيء مقبول جداً حتى الآن. لكن، لو واصلنا وعزفنا مي نصف بيمول التابعة لسلم البيات، لوقعت على الكومة السادسة، و لو عزفنا نوتة مي نصف بيمول التابعة لسلم الراست لوقعت على الكومة السابعة، و لو عزفنا نوتة مي نصف بيمول التركية (التابعة لسلم الراست أو السيكاه التركي) لوقعت على الكومة الثامنة. و بالطبع فنوتة مي الطبيعي سوف تقع على الكومة التاسعة. لكن من وضع مثل هذه القوانين نسي (أو لا أعرف السبب)، بأن نوتتي مي بيمول الناقصة والعالية هي الاخرى ليست ثابتة أي أنه من الممكن أن تكون في أماكن أعلى بقليل أو أوطأ. كذلك الحال بالنسبة لربع التون، فقد نسي من وضع هذه القوانين شيء في غاية الأهمية وهو أن ربع التون، و ببساطة شديدة، يختلف من منطقة جغرافية لأخرى (هذا عدا اختلافه بين سلم وآخر). أي أن ربع التون يختلف من منطقة لأخرى، فمثلا ربع التون في بلاد الشام أي سوريا والاردن وفلسطين هو ربع تون واطئ وليس كما هو في ربع التون المصري والذي يعتبر الأكثر اعتدالا. و ربع التون العراقي هو أعلى من ربع التون المصري، أين سيكون موقع ربع التون العراقي وربع التون الشامي من هذه الكومات التسعة؟ لو سمعنا أغنية أردنية شعبية، لوجدنا أن ربع التون فيها منخفض. لو حاولنا أن نعزف نفس الأغنية على ربع التون العراقي لأصبحت مزعجة جداً. ولو عزفنا أغنية مصرية للسيدة كوكب الشرق، وعزفنا ربع التون فيها أردنياً، لأصبحت غاية في السوء و هكذا. إذاً، فإن هذا التقسيم غير واقعي ويمكن تطبيقه على القانون و ليس الآلات غير الثابتة مثل الكمان والشيللو، لأن هذه الآلات يمكن أن تعزف نوتات غير ثابتة.
فاضل: حدثنا عن تعليم الكمان الشرقي؟ حدثنا عن المعاهد والمدرسين والتوجهات والمستقبل وانتاج المتعلمين؟
هنا علي أن أعود للوراء قليلا. كانت هناك محاولات لكتابة ميتودات للكمان الشرقي. هذه فقط محاولات، و كما أسلفت فهي تحتاج لمجهود كبير وليس مجهوداً من شخص واحد. لكن شي جيدٌ أن يبدأ البعض في وضع بعض الميتودات التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل. هنا علي أن أذكر حادثة حصلت معي: في نهايات السبعينات من القرن المنصرم، أتاني تكليف رسمي من وزارة التربية العراقية حينما كنت مدرساً في معهد الفنون الجميلة في بغداد. كان التكليف هو أن أقوم بتأليف كتاب للكمان الشرقي! لقد اختارت وزارة التربية إثنين من مدرسي الكمان. الأول كان زميلاً لي وهو أكبر مني بكثير وهو معروف على نطاق واسع. والثاني هو أنا وقد كنت في العشرينات من العمر حينها. حاولت أن أتهرب من التكليف وفي النهاية قمت برفضه. كان رفضي هو لسببين. الأول هو أنني كنت سوف أقوم بأغلب العمل أو ربما بالعمل كله تقريباً بسبب أن المدرس الثاني كبير نسبياً في السن والسبب الثاني هو أنهم سوف يكتبون اسمي تحت اسم ذلك المدرس علماً بأنني أنا من كان سينجز العمل. بذلك خسرت وزارة التربية العراقية كتاباً كنت سوف أقوم بتأليفه. لو كانوا قد طلبوا ذلك مني لوحدي لفعلت ذلك وبكل حب، لكن ان يهضم حقي فهذا ما لا أرتضيه لنفسي مع شديد حبي واحترامي للأستاذ الآخر، والذي تربطني به زمالة واحترام و صداقة طويلة.

أتمنى أن يكون مستقبل المعاهد الموسيقية في البلاد العربية أفضل مما هو عليه الآن، لكن يتوجب عليّ أن أذكر بأن هناك الكثير من المعاهد في الوطن العربي تتحلى بمستويات عالية فعلاً وخير مثال لذلك هو المعهد العالي للموسيقى في القاهرة (كونسيرفتوار القاهرة)؛ هذا المعهد مستواه عالٍ جداً وهو نفس المعهد الذي تخرجت منه. وهناك معهد الموسيقى العربية في القاهرة وهو الآخر معهد رصين جداً، قد قام بتخريج الكثير من كبار العازفين. وعلي أن لا أنسى كلية التربية الموسيقية في حلوان القاهرة. هذه الكلية أيضاً خرجت عازفين كباراً من أمثال الدكتور رضا رجب والعازف الكبير المرحوم محمود الجرشة وغيرهما الكثيرين. وهنا أرى من واجبي أن أذكر معهد الفنون الجميلة في بغداد والذي هو الآخر قد خرج أفضل العازفين في العراق. في معهد الفنون الجميلة في الموصل قد تخرج على يدي الكثير من الموسيقيين الذين أصبحوا اليوم أساتذة معروفين. و أيضا يجب أن لا أنسى مدرسة الموسيقى والباليه التي خرجت الكثير من العازفين المحترفين وقد كنت مدرساً في هذه المدرسة كذلك. أرجو أن لا يتهمني البعض بالطائفية أو بالعنصرية لأنني ذكرت المعاهد الذي كنت فيها مدرساً.
فاضل: كيف تنظر لتقييم مهارة العازف وشخصيته؟ ما هو الأهم، المهارة والتكنيك أم الشخصية؟
لي صديق أعتز به وهو أستاذ في معهد الكونسيرفتوار واسمه الدكتور نبيل غنيم وهو عازف مصري كبير ومشهور. كان يسبقني في الدراسة قليلاً و كان قد تخرج حديثاً من الاتحاد السوفييتي حينما كنت طالباً. سألته ذات مرة هذا السؤال فرد علي: "العازف الذي لديه تكنيك ممتاز هو العازف الذي يتمكن من عزف أي عمل بإتقان تام مهما كانت صعوبة أو سهولة العمل". من كلام الدكتور نبيل، نجد أنه لا يمكن الفصل بين التكنيك والشخصية، فبدون التكنيك الصحيح لا يمكن للعازف أن يعزف بشخصيته أو يجد له شخصية، لأنه بدون التكنيك سوف يحاول أن يعزف ما يريد أو ما يتخيل لكن التكنيك يخذله ويقف حائلاً دون ذلك.
فاضل: لم لا يؤلف عازفوا اليوم مثلما كان يؤلف عازفوا الأمس؟
لا أعرف السبب، لكنني أنا أؤلف كثيراً ولدي الكثير من الأعمال سواءاً الشرقية البحتة أو حتى الأعمال الأوركسترالية. لابد وأن يوجد بعض العازفين ممن يهتمون بالتأليف. هنا علي أن أذكر بأن عازف اليوم هو ليس نفسه عازف الأمس. ففي الأمس كانت الحياة أسهل بكثير من يومنا هذا مما يستدعي العازف اليوم لأن يقوم بالعزف في هذه الفرقة وبعد أن يفرغ يذهب ليعزف في فرقة أخرى ثم إلى حفلة وثم يذهب لينام ليستيقظ في اليوم الثاني ويذهب لكي يعطي دروساً في المعهد أو المدرسة التي يعمل بها، ما معناه أن أغلب العازفين لا يجدون الوقت للتأليف.
فاضل: كيف يتأثر التأليف بالآلة؟ هل عازف الكمان تأليفه يختلف جذرياً عن عازف العود او المغني مثلا؟
بالنسبة للتأليف الموسيقي، فهو يتطلب أولاً دراية كافية بآلة البيانو. لكن اليوم و بوجود الكومبيوتر، يستطيع البعض ممن لديهم دراية كافية بأصول وقواعد التأليف الموسيقي استخدام الكومبيوتر مباشرة. أما بالنسبة لتأثير الآلة بالتأليف الموسيقي فهذا شيء أكيد حيث أن عازف الكمان حينما يكتب للأوركسترا نجد أنه يجيد الكتابة لآلات الكمان والفيولا وحتى الشيللو والكونتراباص وليس هو مثل عازف الفلوت على سبيل المثال. وبالعكس، فعازف الترومبيت مثلا لو ألف للأوركسترا نجده يجيد الكتابة لآلات النفخ النحاسية وربما لو لم يكن قد درس قواعد الكتابة للأوركسترا بشكل جيد لكانت كتابته للآلات الوترية على سبيل المثال ليست بنفس المستوى. وهذا هو السبب الذي نجد أن أعمال بعض المؤلفين تصعب على بعض الآلات. فمثلا تشايكوفسكي، لم يكن يعزف الكمان، لذا نجد أن كتابته لهذه الآلة صعبة بسبب عدم درايته بتكنيك الآلة وهذا هو السبب الذي يجعل كونشيرتو تشايكوفسكي هو أحد أصعب الكونشيرتات التي كتبت للكمان لأن تشايكوفسكي كان يكتب كما يأتيه الإلهام وبدون التفكير بتكنيك الآلة أي أنه يكتب موسيقى بحتة. وبعكسه مثلا موتسارت وبيتهوفن، حيث نجد أن كتابتهما للآلات الوترية تعتبر وكأنها مركبة على تلك الآلات، و سبب ذلك يعود إلى أن كلا منهما كان يعزف الكمان. هنا علي أن أنوه إلى أن الكثير من المؤلفين مثل تشايكوفسكي وغيره الذين لا يعزفون الكمان على سبيل المثال، يستشيرون أصدقاءاً لهم عن تكنيك الآلة.

أنا حينما أكتب عملا للأوركسترا وأضع فيه آلة لم أستخدمها من قبل، كأن تكون آلة الكورانجلي، عادةً ما أستشير أحد أصدقائي الذين يعزفون الأوبوا، وكثيراً ما أرسل لهم النوتة لكي آخذ برأيهم كسؤالي مثلا: هل أن ذلك ممكن للآلة أم لا أو أن أسأل موسيقياً يحمل خبرة أكبر من خبرتي. ذات مرة كتبت عملا كبيراً للأوركسترا وكنت أكتب لأوركسترا كبير نسبيا. لم أكن أعرف المشاكل التي يعاني منها عازفوا الترومبيت، وسألت بعضاً من معارفي الذين يعزفون الترومبيت الجاز وقالوا لي بأن ذلك ممكن بل وعادي جداً. وحينما كتبت العمل وأرسلته بواسطة الإنترنيت لكي يعزف من قبل الأوركسترا أرسلوا لي عازفي الترومبيت رسائل يطلبون مني أن أغير بعض الأماكن مما كتبته لأنه صعب عليهم. لم تكن المرة الأولى التي أكتب فيها للترومبيت حيث أنني كنت أكتب كثيراً لهذه الآلة في أوركسترا الإذاعة في بغداد حيث كان لدينا عازفا ترومبيت وكنت أستشير أكبرهما عن كيفية الكتابة لهذه الآلة لكنني في هذه المرة، أحببت أن أكتب أشياءاً أصعب مما كنت معتاداً على كتابته سابقاً. لقد كان السبب أن عازفوا الجاز زودوني بتلك المعلومات وفي الحقيقة فإن عازف الجاز يختلف تكنيكيا عن عازف الأوركسترا.

فاضل: هل معاهد اليوم وطرق تدريس اليوم قتلت المواهب في التأليف والاحساس وبناء الشخصية؟
معاهد اليوم هي امتداد لمعاهد الأمس. لا يمكن للدراسة أن تقتل إحساس العازف و لكن العازف هو من يحاول أن يبني شخصيته ومن الممكن أن يكون ذلك بمساعدة الأستاذ أحياناً. على الأستاذ أن يقوم بتدريس الطالب الطريقة الصحيحة وبعد ذلك على الموسيقي بعد أن يصبح محترفاً، أن يجد طريقه.
فاضل: ما هي المعاهد الشهيرة في تعليم الكمان التي تعرف وتنصح بها؟
توجد الكثير من المعاهد أو الطرق الرصينة في العالم، و لكن في رأيي ورأي الكثيرين، أن أفضلها للآلات الوترية هي المدرسة الروسية.
فاضل: ما هي الكتب التي تنصح الطلاب في التدرج فيها غربياً وشرقياً أو لنقل للعازف الشرقي وهل هي متوفرة؟
لا أستطيع أن أنصح الطلاب؛ لأن لكل طالب مدرس ولكل مدرس خبرته وطريقته وينعكس على اختياره للكتب وللميتودات. لكن على العموم، هناك خط مشترك أو لنقل متقارب. بعد المراحل الأولية، على المدرس أن يؤهل ذلك الطالب ليصل للمستوى الذي يستطيع عزف مسـتوى كرويتزر ، سـوف أسـتخدم كلمة "دراسـة" وهي الترجــمة لكلـمة (Etude) وهي الكلمة المرادفة لـ (Study)، وكلمة كابريس (Caprice) والتي تعني لغويا نزوة. هناك الكثير من الكتب التي تمهد للوصول لمستوى كرويتزر منها هانز سيت (Hans Sitt Op. 32)، و هو عبار عن مائة دراسة وتمرين. و هناك كتاب كايزر وهو يحتوي على 36 دراسة أو تمرين (Op. 20 Kayser) و كتاب دونت ( Dont Op. 37) والذي يحتوي على 24 دراسة تمهيدية لكرويتزر. و هناك كتاب مازاس (Mazas). كل هذه كتب قديمة التأليف. و توجد كتب جيدة جداً وهي حديثة وهي تسير على نفس الخط مع هذه الكتب القديمة.

بعد ذلك تأتي مرحلــة كرويتـزر ، وفي هذه المرحلــة يسـتخدم بالطبع كتـاب كرويتــزر الذي يحتــوي على 42 دراسـة (Kreutzer) والذي يعتبر الأهم في عالم الكمان. و هناك كتاب فيوريللو (Fiorillo) ويحتوي على 36 دراسة ودونت (Dont Op. 35) والذي يحوي على 24 دراسة و كتاب رود (Rode) و الذي يحتوي على 24 دراسة متقدمة. وهناك الكثير غيرها. وأثناء ذلك يأتي الدور للدخول لمرحلة كابريسات باجانيني (Paganini) وفينيافسكي (Wieniawski) وفيتامبس وغيرهما. لكن الأشهر في هذه المرحلة وهي تعتبر الأكثر شهرة هو كابريسات باجانيني.

في كل مرحلة يجب أن ترافق الدراسات أشياء أخرى، و هي السلالم بمراحلها وأشكالها المتنوعة من أشكال الأقواس إلى الأشكال الأخرى مثل الثالثات والسادسات والأوكتافات والأوكتافات بالاصابع والفلاجيوليت وأخيراً دوبل فلاجيوليت. أشهر كتاب للسلالم هو كتاب كارل فليش (Carl Flesch)، لكن توجد كتب غير هذا الكتاب. ويرافق كل ذلك عزف المقطوعات من كونشيرتات وسوناتات و مقطوعات مكتوبة للآلة وكل ذلك متروك بحسب مدرسة وخبرة المدرس. لا يمكن لأي طالب كمان في المرحلة المتقدمة والتي هي مرحلة كرويتزر وما بعدها، إلا وأن يعزف سوناتات وبارتيتات باخ الستة الشهيرة. هنا، علي أن أنوه لمدرسة شهيرة وهامة جداً وهي المدرسة الجيكية، وهذه المدرسة تستخدم سلسلة كتب لمؤلف الكمان الجيكي المعروف سيفجك أو شيفتشيك (Sevcik) أو كما في اللغة الجيكوسلوفاكية (Ševčík). ويوجد الكثير من المدرسين ممن يستخدمون بعض التمارين من هذه السلسلة الهامة جداً. هنا بعد كل هذا الكلام، عليّ أن أنوه إلى أنهم يستخدمون أغلب هذه الكتب لآلة الفيولا بعد تحويل المفتاح لمفتاح دو. وحتى بعضاً منها تستخدم لآلة الشيللو و سيفجيك وباجانيني يعزفان. في آلة الشيللو، تعزف من كابريسات باجانيني وعلى الأخص الكابريس الأخير رقم 24 وهو الأشهر. هنا علي أن أشير إلى أنه حينما يدرس طالب في كتاب معين مثل كايزر، فليس عليه أن يعزف الكتاب بأكمله، بل على المدرس أن يختار الدراسات التي تعالج المشاكل التي يعاني منها الطالب.

هذا هو فيديو لهايفتز يعزف كابريس رقم 24 لباجانيني:


وهذا نفس الكابريس بعزف يويوما وهو أكبر عازف شيللو في عصرنا

وهذا نفس الكابريس على الكونتراباص:

وهذه طفلة بعمر خمس سنوات تعزف هذا الكابريس:

وهذا فيديو لأحد الكابريسات وهو بعزف أشهر العازفين في العالم بيرلمان وزوكرمان


وهذا أحد أعمال فينيافسكي من أداء هذه الطفلة الرائعة:

وهذا كرويتزر الدراسة رقم 13 لكن على آلة الفيولا:

وهذا أيضا كرويتزر الدراسة رقم 42 من عزف هذه الشابة الصغيرة

وهذه الدراسة رقم 28 من كتاب فيوريللو من هذا الطفل الرائع:

وهذه الدراسة رقم 24 من كتاب رود:

وهذه الدراسة رقم 24 من كتاب كايزر:

وهذا أحد تمارين كتاب دونت الذي يسبق كرويتزر:

وهذا أحد تمارين سلسلة كتب المؤلف الجيكي سيفجيك:

الحوار متواصل
::. فاضل التركي

هناك تعليقان (2):

  1. أهلا وسهلا بالأساتذة الكرام ، وشكرا جزيى لهذا الجهد الكبير وهذا الإصرار الجميل على الوصول إلى الحقائق
    أشرت أستاذ فاضل إلى وجود مناهج وقواعد للمقامات علينا الاطمئنان إلى اتباعها ، أجابك الأستاذ أحمد بأنه لم يقرأ تلك الكتب القديمة ، الحقيقة أن الكتب القديمة عدلت قواعدها فى أوائل القرن العشرين وانتهى أمرها وكانت معظمها مستمدة من مناهج الموسيقى التركية التى لم تعد تستعمل فى المنطقة العربية
    تلك الفروق أصبحت الآن من أطلال الماضى ولا خوف أبدا من الخطأ فى استعمال المقامات الشرقية التى توحدت مفاهيمها بإلغاء نظام الكومات "تقسيم التون إلى تسعة أجزاء" من الموسيقى العربية
    وللعلم فإنه لا ضرر من هذا الإلغاء بتاتا حيث أنه كان نظاما مستحدثا على الموسيقى العربية التاريخية التى بلغت أوجها فى العصر الأندلسى

    أما عن الحكم بصحة نغمة ما سواء فى ظل القديم أو تبعا للأسلوب الحديث الذى يقسم التون إلى أرباع فقط فلا يستطيع ذلك إلا الأذن البشرية الحساسة وهى وحدها التى تملك القدرة على التمييز ، وبطبيعة الحال ليس كل البشر على نفس القدرات ولكنها ملكة خاصة

    كى أوضح أكثر إذا كان هناك عازف أو مطرب مثلا لا يمتلك القدرة على الحكم الصحيح بصحة نغمة ما وهل هى زائدة أو ناقصة أو مضبوطة فهو ليس بعازف ولا بمطرب وأفضل له أن يبحث عن مجال آخر
    ولذلك فإن أهم ما يمكن عمله بالنسبة لدارسى الموسيقى هو اختبار الأذن الموسيقية قبل التصريح للطالب بالدراسة فضلا عن مزاولة الموسيقى
    تحياتى ..

    ردحذف
  2. تحية لك الدكتور أسامة عفيفي .. الفنان والرائع دوما ..

    نعم .. هو موضوع مقلق وجوابك وجواب الاستاذ الجوادي مطمئن .. وهنا يجب على الفنان او الموسيقي .. أن يتدرب ويسمع ويوسع ثقافته السماعية وخبرته الموسيقية حتى يتمكن من معرفة التفاصيل هذه في التراث و أبواب التجديد..

    أذكر في هذا الصدد ما كتبه الاستاذ سامي الشوا في كتابه المهم والذي راق لي أنه دون التراث وطبيعة المقامات وتسلسلها وسيرها ومواصفاتها ولو بشئ من الإيجاز. لكن، ما زلت أتمنى أن تستطيع النوتة الموسيقية أن تدون شيئا من هذا الاحساس حفظا للأجيال القادمة مثلما حتى اذا اكتشفت نوتة موسيقية بلا تسجيل، أمكن استرجاع الاحساس من زمن غابر ..

    دمت ودام الاستاذ أحمد بخير وشكرا لك
    فاضل التركي

    ردحذف