كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الاثنين، 13 أغسطس 2012

فى الليل لما خلي - تحليل موسيقي



في الليل لما خلي
محمد عبد الوهاب 
كلمات أحمد شوقي
مونولوج - مقام بياتي 1928
تحليل موسيقي د.أسامة عفيفي


بإيجاز تعتبر فى الليل لما خلى تحفة فنية بكل المقاييس ، أو ما يسمى Master Piece   فى الغرب ، وهى مما يسمع للآن بشغف شديد ، ولعبد الوهاب عشاق فنه القديم خاصة فقد تمتع بذوق شرقى ساحر امتد تأثيره لأجيال
أحدث هذا اللحن لعبد الوهاب دويا هائلا وأثار إعجاب الجمهور المثقفين والعامة على السواء ، واعتبر نقلة كبيرة فى فن عبد الوهاب والموسيقى العربية بصفة عامة
ومن خصائص هذا اللحن أنه استخدم شكلا جديدا للأغنية ، كتبت الأغنية على شكل المونولوج أى بدون مذهب وكوبليهات ، وأول من قدم هذا الشكل كان سيد درويش فى لحن والله تستاهل يا قلبى ، وهى تسترسل من البداية للنهاية لا مقطع يتكرر ولا عودة للبداية فى آخر الأغنية ، إنها تحكى كالقصة ، كوصف لتأملات إنسان فى الليل الساكن وما يلهمه به من أفكار وأحاسيس 
التعبير اللحنى والموسيقى
فى الليل لما خلى ، وهى من شعر شوقى ، أغنية وصفية تأملية بالدرجة الأولى ، وكان هذا منحى جديدا فى الفن الغنائى ، وقد أعطى هذا عبد الوهاب فرصة للتعبير ليس فقط عن المعانى بل عن الألفاظ كلمة كلمة ، ونجح فى تصوير الجو الشعرى بطريقة غاية فى الانسجام
نلاحظ الاحتفاظ للموسيقى بالتوقيع دون الغناء ، لم يستخدم عبد الوهاب التوقيع للغناء إلا فى مقطع واحد من بيتين على إيقاع  الفالس وهو ، الفجر شقشق ، وهو فى وسط القصيدة ، مهد له بمقطع موسيقى غاية فى العذوبة على نفس الإيقاع ، بينما فى بقية الأغنية مضى اللحن مرسلا 
ومن المنطقى أنه مع تلك التأملات العميقة التى حملتها الكلمات والحزن البادى فى الجو العام كما فى الألفاظ مثل الليل لما خلى ، الباكى ، النوح ، الشاكى ، المبتلى ، سكون ، وحشة ، ظلمة ، ليل مالوش آخر ، بكا ، هواجع ، مواجع ، أنينى ، جرح ، مفارق ، هجر ، بعاد  ، ويمكن تصور أن حمل هذه الصور والألفاظ على  إيقاع غنائى قد يأتى يصورة لحنية معاكسة لهذا الجو بل ومتنافرة معه ، وإذا كان فسيكون رتيبا مملا
ولنتأمل أين وضع عبد الوهاب إيقاعه .. ، عندما يقول الفجر شقشق وفاض على سواد الخميلة ... لمح كلمح البياض من العيون الكحيلة .. هنا اختلفت الصورة فاختلف اللحن ، وليس الإيقاع راقصا ولا من النوع الطويل ، إنه اختار نوعا انسيابيا من الإيقاع ، الفالس ، يتماشى مع انسيابية اللحن الأساسى وإرساله
ثم يعود إلى إرساله غير الموقع عندما تعود الكلمات لحديث الليل مرة أخرى حتى نهاية الأغنية
هكذا يبدو أن محمد عبد الوهاب قد وضع أمامه التعبير هدفا ، وهو يخلص له بدرجة غاية فى الإتقان
ولنتأمل أيضا المطلع الموسيقى لتلك الأغنية ، إنه يتكون من جملتين رئيسيتين ، استهلال وتمهيد للغناء ، تبدو الجملتان على إيقاع لكنهما ليستا كذلك على وجه الدقة ، هما على الأصح على زمن وليس إيقاع ، وهنا يظهر الانسجام بين البداية الموسيقية ومحتوى الأغنية   
خصائص الموسيقى  
شـرقية الملامح: صاغ محمد عبد الوهاب لحنه من مقام البياتى الشرقى ، وهو ليس فقط مقاما شرقيا وإنما شعبى ممعن فى الشعبية ، ومنه يبدأ كافة المقرئين عند تلاوة القرآن الكريم وبه ينهون التلاوة ، ومنه كثير من فنون الفولكلور
وحدة العمل الفنى
لم يخرج عبد الوهاب عن التنويعات التقليدية على المقام الأساسى ، وبذلك حافظ على وحدة اللحن والجو العام ، وكانت تنويعاته شديدة المنطقية فهو يستدرج السامع إلى مقام فرعى من المقام الأساسى فى انسيابية تامة دون أدنى انقطاع  وفى الجملة لم يستطرق إلى تفرعات مقامية فى غير اللازمة الموسيقية من مقام الفرخفزا مع التغيير فى الجو العام قبل الفجر شقشق مباشرة ثم راست النوا مع بداية غناء هذا المقطع
ويلاحظ أن الحفاظ على الجو العام هنا وعدم التنقل كثيرا بين المقامات خاصية لم يلتزم بها عبد الوهاب طويلا بعد ذلك ، بل أصبح من سمات موسيقاه كثرة التنقل والتنويع السريع ، وهذا الاتجاه قد أفقد أغانيه اللاحقة التوحد المطلوب لإثارة شحنة عاطفية مركزة تربطك بالعمل ككل ، وحل محل ذلك المفاجأة والإبهار كعنصران يتقرب بهما إلى السامع ، وربما كان هذا التغير متماشيا مع ما جد على العالم كله مما أسمى بعصر السرعة ، فقد تغيرت أذواق المستمعين بفضل انتشار وسائل الاتصال السريع بما أسرع من خطى الناس فى كل شيء 
إضافات جديدة على الموسيقى العربية
المزج بين مقاطع موقعة وأخرى مسترسلة فى اندماج تام ، وهذه سمة استخدمها عبد الوهاب كثيرا بعد ذلك وأصبحت من الأساليب المتعارف عليها فى التلحين واستخدمها ملحنون آخرون بكثرة ، لكن عبد الوهاب ظل هو سيد هذا الأسلوب الفريد
التمهيد الموسيقى المبرمج للمقاطع الغنائية ، وهذه أيضا من سمات موسيقى عبد الوهاب وأسلوب يستلزم خيالا واسعا وقدرة عالية على التأليف الموسيقى ، وقد شاع استخدامه بعد ذلك بين الملحنين ولكن ليس فى براعة مبتكره
استخدام نغم الكروماتيك ، فى الرد على جملة الفجر شقشق تأتى حركة نغمية جديدة على الموسيقى العربية ، إنها على السلم الكروماتيك أوالملون أى تتباعد نغماتها المتتالية نصف درجة بنصف درجة ، هذا لم يحدث من قبل ، بل إنه بالمقاييس التقليدية يعتبر خروجا عن المألوف إن لم يكن نشازا على الأذن العربية التى تعودت الطرب ، كيف جرؤ عبد الوهاب على ذلك؟! إنه استماعه إلى موسيقى الغرب ، وهذه ليست إلا بداية ، فسوف يتحفنا من الموسيقى الغربية بالكثير بعد ذلك، تحليل موسيقى د.أسامة عفيفى ، فى الليل لما خلى ، محمد عبد الوهاب
 
فى الليل لما خلى  1928 مونولوج -  مقام بياتى
لحن وغناء محمد عبد الوهاب - كلمات أحمد شوقى
فى الليل لما خلى  إلا من الباكى
والنوح على الدوح حلى للصارخ الشاكى
ما تعرف المبتلى  فى الروض من الحاكى
سكون ووحشة وظلمة وليل مالوش آخر
ونجمة مالت ونجمة حلفت ما تتاخر
ده النوم ياليل نعمة  يحلم بها ساهر
الفجر شقشق وفاض على سواد الخميلة
لمح كلمح البياض  من العيون الكحيلة
والليل سرح فى الرياض أدهم بغرة جميلة
هنا نواح ع الغصون وهناك بكا فى المضاجع
ليه تشتهى النوم عيون وعيون سوالى هواجع
ودوح غرق فى الشجون ودوح ما شافش المواجع
يا ليل أنينى سمعته  والشوق رجع لى وعاد
وكل جرح وساعته وكل جرح بمعاد
كم من مفارق وجعته يا ليل وهجر وبعاد

هناك تعليق واحد: