كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

السبت، 12 سبتمبر 2015

في ذكرى رياض السنباطي

هذا العام 2015 يوافق الذكرى التاسعة بعد المائة لميلاد الفنان الرائد رياض السنباطي والذكرى الرابعة والثلاثين لرحيله. ولد رياض  في 30 نوفمبر 1906، ورحل عن عالمنا في 9 سبتمبر 1981 تاركا ثروة فنية عظيمة
استطاع رياض السنباطي الصعود إلى قمة السلم الفني كبار بموهبة عظيمة وإخلاص كبير، ولا يمكن ذكر اسم كوكب الشرق أم كلثوم دون ذكر اسم الملحن الكبير الذي لحن لها أفضل ما غنت.
برع السنباطي خاصة في تلحين القصائد خاصة التي غنتها أم كلثوم، وبفضل ألحانه انتشرت قصائد عربية عظيمة، كما غنت له كوكب الشرق العشرات من الألحان الرومانسية معظمها من كلمات أحمد رامي

بدأ رياض نشاطه الفني في العشرينات واستمر حتى السبعينات من القرن العشرين، لكن شهرته بدأت مع أم كلثوم عندما لحن لها لأول مرة أغنية بعنوان "على بلد المحبوب" عام 1936.
لم يكن اتجاه رياض للفن صعبا كما كان الحال مع غيره من الفنانين، فقد نشأ في أسرة فنية وعلمه والده بنفسه مبادئ الموسيقى والعزف على العود، وبدأ رياض كمطرب خاصة بألحان محمد القصبجي، ثم ترك مدينته "المنصورة" وانتقل إلى القاهرة حيث التحق بمعهد الموسيقى.
بلغت ألحانه لأم كلثوم أكثر من 90 أغنية خلال أربعة عقود آخرها عام 1972 بقصيدة "الثلاثية المقدسة" وهو صاحب أطول قائمة في ألحان أم كلثوم. قدم السنباطي لأم كلثوم مجموعة أغان قصيرة لأم كلثوم ظهر فيها تأثره بأسلوب محمد القصبجي، قبل أن يضع أول طويل لها "فاكر لما كنب جنبي" وهو لحن رومانسي كتب كلماته أحمد رامي في قالب المونولوج، وكان فرصة جيدة لإظهار أسلوبه الخاص في التلحين الذي صبغ معظم ألحانه العاطفية بعد ذلك. كانت تلك الأغنية تسمع في الستينات وكأنها صنعت لتوها وليس في الثلاثينات.

في عام 1940 حقق السنباطي جماهيرية كبيرة بلحنه "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا" من كلمات أحمد رامي، وهي الأغنية التي تزامن إذاعتها مع ظهور هلال العيد كل عام، وانتقل بها السنباطي من صانع ألحان إلى صانع فولكلور. ولم ينافسه في ذلك غير الشيخ زكريا أحمد الذي لحن لأم كلثوم أيضا أغنية الليلة عيد (حبيبى يسعد أوقاته) من كلمات بيرم التونسى بعدها بثلاث سنوات ولا زالت الأغنيتان تثيران البهجة في النفوس وينتظر سماعها الناس لتبدأ التهاني بالعيد، وبهما خط السنباطي وزكريا عميقا فى الوجدان العربي ونجحا في كسب الجمهور لأجيال.

خلال الأربعينات كان على رياض منافسة الملحن الذى يخشاه الجميع، الشيخ زكريا، الذى بلغت ألحانه لأم كلثوم قمة الشرقية والطرب لا يجاريه أحد، وكان زكريا نهرا لا ينضب من الألحان الموغلة في الشرقية والجذور الشعبية للموسيقى التي تأسر الأسماع والقلوب. من أمثلة ما لحن زكريا في تلك الفترة أنا فى انتظارك ، الآهات ، حبيبى يسعد أوقاته ، أهل الهوى ، الأوله فى الغرام ، الأمل ، الحـلم. كما كان عليه منافسة عملاق آخر هو محمد القصبجى، الملحن المجدد صاحب أغنية أم كلثوم الأسطورية "رق الحبيب". 
لكن السنباطي وجد طريقا آخر لم يطرقه الآخرون كثيرا، وهو القصائد. وفي عام 1946 بالتحديد قفز قفزة هائلة بثلاث قصائد طويلة من شعر أحمد شوقي هي ولد الهدى، سلوا قلبي، و نهج البردة. بثت تلك القصائد روحا جديدة فى الأغنية العربية تميزت بالأصالة والجدية والتجديد ونالت إعجاب المستمع العربى فى كل مكان، وبها رسخ السنباطي أقدامه ليس في عالم التلحين بل كشخصية عربية مهتمة بالتاريخ والفكر والوجدان العربي على مستوى الأمة العربية كلها. ولا شك أن قيامه بتلحين أشعار شوقي بما احتوته من مضامين ومعان سامية قد أضاف بعدا جديدا إلى مهمة الغناء العربي كما أضاف جمهورا كبيرا في جميع البلاد العربية التي كانت تتطلع إلى الشعور بقوميتها المستقلة بعد حقبة طويلة من السيطرة العثمانية. ووجدت أم كلثوم في رياض السنباطي الملحن الموهوب الذى يستطيع تطويع الشعر العربي للحن والموسيقى بحيث يردده الناس وكأنهم يستخدمون لهجاتهم المحلية.
لم يكن هذا الأفق العربي جديدا تماما، فقد ارتاده محمد عبد الوهاب بقصائد شوقى وغيره، وهنا لابد أن نذكر لأم كلثوم اختيارها لتلك الأشعار حتى وإن كان من باب التنافس مع عبد الوهاب. وهو تنافس إيجابي صبت نتيجته في صالح الفن والمجتمع.

كما يجب هنا الإشارة إلى دور الفنان في بناء ثقافة مجتمعه. فلولا تلحين وغناء تلك القصائد التي عبرت بصدق عن الهوية العربية لظلت حبيسة الكتب والدواوين، وبالغناء يصل الشعر والثقافة السامية إلى كل الناس حتى الأميين. وكان عبد الوهاب لا يكتفي بإنشاد قصائد مثل دمشق وفلسطين وإلام الخلف، وإنما كان يجوب البلاد العربية بنفسه ويشارك الأمة كلها في إعلاء ثقافتها
إضافة إلى البعد اللغوي والمعنوي هناك بعد لا يقل أهمية، وهو تحديث الفن. قبل ذلك الحين لم يكن هناك فن حديث في بلاد العرب، فقط بعض الفن الشعبى المحلي، وبعض الموشحات الأندلسية. ومع ظهور هذه الفئة من الملحنين المجددين والمطربين المثقفين، أصبحت الموسيقى العربية أحد مكونات الهوية العربية الحديثة، وإحدى أدوات المجتمع في التحديث.

لم تطل منافسة رياض لزكريا والقصبجي طويلا، ففي عام 1947 اختلفت أم كلثوم معهما وتوقفا عن التلحين لها، وخلت الساحة لرياض الذي أصبح الملحن الوحيد لأم كلثوم.
لكن المنافسة لم تنته مع عبد الوهاب، الذي تربع على قمتي التلحين والغناء بألحان عظيمة لقصائد كبرى مثل الجندول، الكرنك، كليوباترا، دمشق ، فلسطين، دعاء الشرق، والنهر الخالد
دخل هذه المنافسة الشاعر الذى حبس نفسه فب شعر العامية طويلا، أحمد رامي، بمفاجأة كبرى حين ترجم رباعيات الخيام الفارسية شعرا إلى العربية ليلحنها السنباطي بلحن عربي أصيل وينتقل الثلاثي بالقصيدة من الآفاق القومية والتاريخية إلى آفاق إنسانية وفلسفية واسعة تخاطب الإنسان في كل مكان. 
عام 1950 أرسى رياض السنباطى معالم مرحلة جديدة في التلحين غلب عليها الطابع العاطفي بدأت بأغنيات سهران لوحدى، جددت حبك ليه، يا ظالمني، معظمها من كلمات أحمد رامي، واستمرت لأكثر من عقدين حتى السبعينات.
ثم في عام 1951 دخل السنباطي مجالا جديدا هو الأغنيات الوطنية، وأبدع سلسلة منها بدأت بالقصيدة الشهيرة لشاعر النيل حافظ إبراهيم "مصر تتحدث عن نفسها". ولحق السنباطي وأم كلثوم بعبد الوهاب مرة أخرى بتقديم القصائد الجادة أسهمت في بث الروح الوطنية وتدعيم الاعتزاز بالهوية. تخلل السلسلة أغان شهيرة مثل مصر التي في خاطري، مثال الوطنية، ثوار، طوف وشوف، حبنا الكبير وغيرها. 
اشتهرت خاصة من حقبة الخمسينات أغنية شمس الأصيل من كلمات بيرم التونسي. واستمر عطاء السنباطي حتى السبعينات مضيفا ألحانا جديدة إلى رصيده الغني تنوعت بين العاطفي والوطني والديني وكانت قصيدة الأطلال حديث الجميع عام 1966، ولا زالت، من أشعار إبراهيم ناجي، أعقبها أغنيات رائعة مثل أقبل الليل، من أجل عينيك، حديث الروح، القلب يعشق كل جميل، والثلاثية المقدسة التي كانت آخر ألحانه لأم كلثوم عام 1972.

ولغير أم كلثوم لحن السنباطي عشرات الألحان من المطربين والمطربات منها لعبة الأيام لوردة الجزائرية، كما غنى بعض ألحانه بنفسه لكنه لم يحترف الغناء. ورغم أنه يسبق له الغناء من ألحان غيره بعد احترافه التلحين، غنى رياض لسيد درويش أحد ألحانه بصوته وهو دور أنا هويت وانتهيت إعجابا وتقديرا لفن الفنان الخالد، الذي غنى ألحانه أيضا الشيخ زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب

إلى جانب التلحين نشط رياض في تأليف الموسيقى البحتة، ومن أشهر ما ألف "لونجا رياض" وهى مقطوعة رشيقة من قالب اللونجا الكلاسيكي مقام فرحفزا. كما اشتهر كعازف عود من الطراز الأول، وله تقاسيم شهيرة بأسماء مقاماتها، وتميز أسلوبه بالمزج بين دقة التكنيك وجمال الجملة الموسيقية. د.أسامة عفيفى - رياض السنباطى 1906 - 1981

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق