كلاسيكيات الموسيقى العربية * أرشيف * استماع *  تحميل *  نقد فنى *  تحليل موسيقى* أفلام * صور *  تسجيلات * كلاسيكيات الموسيقى العربية
كلاسيكيات الموسيقى العربية * الخمسة الكبار * سيد درويش * محمد القصبجى * زكريا أحمد * محمد عبد الوهاب * رياض السنباطى * نجوم الغناء العربى * أم كلثوم * عبد الوهاب * فيروز * عبد الحليم * ألحان التراث * موشحات * قصائد * أدوار * كلاسيكيات الموسيقى العربية

الخميس، 13 أكتوبر 2016

الأغنية : أيهما أهم .. اللحن أم الكلمات؟

تعددت واختلفت الآراء في هذه القضية المشهورة ويبدو أنها لن تحسم بسهولة، فلكل رأي أسانيده وبراهينه وفكره الخاص، بينما يرى فريق من المحايدين أن الأغنية تتكون من أكثر من هذين العنصرين فهناك المغني والموزع، وحديثا المنتج والمخرج والمصور والسناريست والدعاية والإعلام إلى آخره .. لكننا لسنا بصدد تعريف عناصر الأغنية الآن بل نود المقارنة المباشرة بين أثر اللحن والكلمات في تكوين الأغنية، جيدة كانت أو رديئة، باعتبارهما العنصرين الوحيدين المنتميين مباشرة إلى الإبداع المطلق بينما تنتمي العناصر الأخرى إلى الإبداع النسبي أو المعتمد على غيره. وهما أيضا عنصران لا يمكن تغييرهما بينما يمكن أن تخضع العناصر الأخرى للتغيير وبأكثر من صورة مع بقاء كيان الأغنية الاساسي من كلمات ولحن.
النجاح والفشل
السؤال لا يطرح فقط قضية نجاح الأغنية أو عوامل نجاحها. يمكن بالطبع أن تفشل أغنية ما في جذب الجمهور .. على المسرح تكون الإجابة لحظية من الجمهور، وخارج المسرح قد لا تستمر إلا فترة قصيرة ثم تتلاشى تماما .. وفي هذا أيضا يحضر نفس السؤال .. ما الذي تسبب في فشل الأغنية .. اللحن أم الكلمات؟
لم يحدث أن تجرأ مغن على تقديم أغنية فشلت مع مغن غيره، فقط العكس هو الصحيح، فالمغنون يختارون دائما أغنية نجحت مع غيرهم، لذا من الصعب الحكم عمليا على دور المغني في هذه القضية
آراء
سئل الأخوان رحباني عن أهمية الكلمات في صنع الأغنية فكان الجواب أنها تشكل 70% من تكوين الأغنية الأساسي. 
وحينما سئل الملحن بليغ حمدي نفس السؤال أجاب بأن اللحن هو الذي يشكل 70% من تكوين الأغنية .. ومع ملاحظة أن الإجابتين عكس بعضهما كما وكيفا هل كان هناك تحيز في أي من الإجابتين؟ كان الأخوان رحباني يقومان بالمهمتين معا .. التأليف والتلحين. لم يرد في ذكر أغانيهما اسم أي منهما مقترنا بالكتابة فقط أو التلحين فقط، كما لم يشأ أي منهما إيضاح كيف كان يقوم شخصان بعمل واحد، وعلى هذا فقد تم نسبة جميع أعمالهما إلى الأخوين سويا. على أي حال هذا يخرجهما من دائرة التحيز لأنهما المؤلف والملحن معا لكنهما اتفقا في الرأي على أن الكلمة هي أساس اللحن.
لهذا الرأي مؤيدون كثيرون، وإذا نظرنا إلى القصائد القديمة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نجد أن اللحن لم يكن مخصصا لقصيدة بعينها، بل كان يمكن للمغني أن يقدم نفس اللحن على أكثر من نص، كما هو الحال في القدود، وكان الجمهور يتقبل ذلك لسبين؛ جودة الكلمات وجودة اللحن، رغم عدم ارتباطهما. بظهور سيد درويش والشيخ أبو العلا محمد ومحمد عبد الوهاب تغيرت هذه الرؤية تماما، فقد وضع هؤلاء، وغيرهم ممن تبعهم، لحنا خاصا لكل نص. اتفق الجميع في تخصيص اللحن لكلمات بذاتها لكن سيد درويش أضاف بعدا جديدا هو التعبير. رأى سيد درويش أن اللحن يجب أن يعبر عن الكلمات، موضوعا ومفردات، بحيث إذا تغير اللحن فقدت الأغنية أثرها وأصبحت مجرد كلمات وأنغام لا علاقة لأي منهما بالآخر. احتذى عبد الوهاب خطى سيد درويش بعد مرحلة طويلة نسبيا من القصائد التقليدية وأعطى التعبير عن الكلمات أهمية خاصة، بينما لم يلحق الشيخ أبو العلا بهذا الركب.
نكتشف من هذا أن الكلمة كانت أساس العمل بالنسبة لملحنين كبار مثل سيد درويش وعبد الوهاب، كذلك فعل محمد القصبجي واتبع نفس المدرسة زكريا أحمد ورياض السنباطي بدرجات متفاوتة
لكن هذه النتيجة لا تكفي للإجابة على السؤال أي العنصرين كان وراء نجاح أعمال هؤلاء الكبار، الكلمة أم اللحن؟
أمثلة ونماذج
لنأخذ مثالا قصائد عبد الوهاب الأولى .. وهي ثمانية قصائد من أول يا جارة الوادي عام 1926 إلى الهوى والشباب 1932. ألحان هذه القصائد تشكل مجموعة متشابهة تنتمي إلى نموذج تلحين القصائد الأقدم، ، لذا لا يمكن القول بأن التعبير عن الكلمات كان له الأولوية. ولنأخذ منها مثالين واضحين لبيان دور الكلمات السلبي في عدم انتشارهما وهما "أنا أنطونيو" عام 1927 و"ياشراعا وراء دجلة يجري" عام 1932. رغم أن الكلمات لأمير الشعراء أحمد شوقي إلا أنها سجنت العمل كله في في قفص حديدي هو موضوع القصيدة.
أنا أنطونيو - محمد عبد الوهاب
الأولى تتحدث عن "أنطونيو" في رواية كليوباترا وموضوعها يتعلق ببطل الرواية وقصة الحب التاريخية .. ليس من السهل تخيل أن يتغنى عربي بالقول "أنا أنطونيو" .. وبالفعل لم يحدث ولم تستطع الأغنية الخروج من إطارها المسرحي رغم احتوائها على صور غزيرة في الحب والعشق قد تصلح لأي زمن .. وبالتالي لم تصمد في ذاكرة أحد .. ماذا فعل عبد الوهاب إزاء ذلك؟ لم يكررها .. بل ترك المسرح الغنائي تماما وقرر ألا يعود إليه

الثانية مدح صريح في ملك العراق وقتئذ .. مع زوال الملك زالت القصيدة من الذاكرة ولم تعد تذكر رغم احتوائها على مديح للبلاد وتاريخها .. وحتى في ذلك الوقت عرقلت انتشارها شطرة تقول "سر على الماء كالمسيح" من الصعب أن تجد طريقا إلى اللسان العربي
ربما لن يجدي هنا الحديث عن اللحن فكما ذكرنا الألحان متشابهة في النظام والأسلوب، وسواء كان اللحن جيدا أم لا فقد أخرجه الموضوع من الساحة. لكن هذا ليس كل شيء .. فهناك نموذج آخر لأغنية لم يتمكن موضوعها من اغتيال اللحن من ذاكرة الناس وهي أغنية الفن لعبد الوهاب .. اللحن في الواقع نموذج راق في الموسيقى والتلحين وما زال يحتفظ بتأثيره ورونقه .. وحتى بعد منع إذاعة الأغنية بسبب مديحها لملك مصر في ذلك الوقت ظلت في الذاكرة الفنية والشعبية وعادت بعد زوال ملك الاثنين .. من مدحته ومن منعها. يجب ملاحظة أن كلمات الأغنية لم تقتصر على موضوع واحد فهي تتحدث عن الفن ونجوم الفن أولا ثم تذكر مديح الملك في الجزء الأخير، وقد ظهر منها تسجيل اقتصر على الموضوع الأول وحذف منه الثاني كإشارة لرفض موضوعه. وإذا قارننا هذا الوضع بقصيدتي "أنا أنطونيو و"يا شراعا" نجد تشابها واضحا في وضع الكلمات فهاتان القصيدتان أيضا لهما موضوع آخر كما ذكرنا، في الأولى قصة حب وفي الثانية مدح البلاد قبل الملك .. إذاً ماذا خص "الفن" وميزها؟ يبدو أن اللحن كان وراء ذلك البقاء والصمود ..
الفن - محمد عبد الوهاب 
التصوير الموسيقي
في العام التالي 1933 أقدم عبد الوهاب على تغيير كبير في أسلوب التلحين بدءا من قصيدته الشهيرة "جفنه علم الغزل" للشاعر بشارة الخوري، ثم "سهرت" عام 1935 من كلمات الشاعر حسين أحمد شوقي نجل أمير الشعراء، وفيما تلاهما، لكن هناك شيء جديد يختلف عما كنا نتحدث عنه، فهناك أجزاء من اللحن يمكن الاستماع إليها كموسيقى فقط دون الكلمات، وأكثر عبد الوهاب من استخدام الموسيقى في غير مواضع الغناء بعد ذلك سواء كمقدمات أو فواصل، ونلاحظ أنه في نفس الوقت قد بدأ تأليف مقطوعات الموسيقى البحتة التي لا تحتوي على كلمات أكثر من عنوان المقطوعة. حين نصل إلى عام 1938 بقصيدة "عندما يأتي المساء" من كلمات محمود أبو الوفا، وعام 1940 ونستمع إلى قصيدة مثل "لست أدري" للشاعر إيليا أبو ماضي أومجنون ليلى لأحمد شوقي وغيرها، سنكتشف أن الكلمات المغناة لم تعد تشكل كل اللحن .. هناك أجزاء موسيقية خالصة غير مغناة يستخدمها الملحن ضمن أدواته لتوصيل الجو النفسي العام للنص لا تعتمد على الكلمات نفسها، أو بعبارة أخرى "تقرأ ما بين السطور".

هذا البعد "التصويري" للموسيقى يظل جزءا من لحن الأغنية رغم عدم احتوائه على كلمات بالمرة. ويمكن القول بأن النص هو الذي أوحى للملحن بهذه الموسيقى بل باللحن كله. لكن في المقابل نستطيع إجراء تجربة بسيطة لإثبات أهمية اللحن وهي قراءة النص مجردا بدون لحن أو موسيقى .. ستترك المعاني والصور والمفردات أثرا لدى القارئ أو السامع بالتأكيد، لكن التصوير بالموسيقى واللحن يضاعف الأثر مرات ومرات، وقد يحتاج النص إلى شرح وتفسير ليحدث أثره، لكن الموسيقى وحدها هي القادرة على إحداث الأثر النفسي في المستمع لحظة سماعها ..
حتى الخمسينات والستينات لم يكن الملحنون غير محمد عبد الوهاب يهتمون كثيرا بوضع مقدمات موسيقية لألحانهم، لكن الأمر اختلف حينما غنت أم كلثوم أول لحن لعبد الوهاب "إنت عمري" عام 1964، فقد اشتدت المنافسة وأصبح على كل منهم استخدام كل الأدوات المتاحة للبقاء في الساحة وأهمها الموسيقى، فاستمعنا إلى إبداعات بليغ حمدي الذي تغيرت ألحانه كثيرا منذ ذلك الحين، وخرج السنباطي من شرنقته التقليدية ليقدم لنا أفضل ما لديه من موسيقى، ولم يقتصر الأمر على أغنيات كوكب الشرق فاستمعنا إلى إبداعت أخرى من محمد الموجي وكمال الطويل في ألحانهما لعبد الحليم حافظ، وتأثر بهذا التيار جميع الملحنين تقريبا فاجتهد كل منهم في إضافة موسيقى لا تعتمد تماما على النص المكتوب 
إنت عمري - موسيقى المقدمة 
الأغنية الآن
وماذا عن الأغنية الآن في القرن الواحد والعشرين والعام 2016، وقد ذهب الفنانون الكبار الذين تقاس الأعمال بفنونهم؟
بعضنا يقول أن الأغنية الموجودة الآن لا تترك أي أثر ذي قيمة لدى السامع ولا تستمر معه أغنية أو يتذكرها بذلك الشوق والحنين للاستماع إليها مرة أخرى. والحقيقة أن هذا الرأي رغم قسوته وظاهره الانطباعي لا يخلو من أساس علمي، فالأغاني تحول معظمها من اللحن إلى الإيقاع أو بعبارة أخرى من مخاطبة الآذان، ومن ثم القلوب والإحساس، إلى مخاطبة القدمين والجسد والدعوة للرقص والصخب. هنا تفقد الكلمات أي وقع بالمرة، بل ويمكن تغييرها واستبدالها كلية دون أن يشعر أحد بأي تغير ..

وفي الأغاني الأهدأ، غير المعتمدة على الإيقاع الصاخب، نجد الكلمة قد هبطت كثيرا عن مستواها في الماضي، ويكفي ملاحظة أنه لا توجد قصائد بالمرة، نتيجة ضعف اللغة عند معظم كتاب الأغنية، وبالتالي فالحديث عن دور الكلمات كمصدر إلهام للملحن يفقد معناه .. كما أن هناك كلمات وموضوعات يتغني بها المطربون الجدد ليس لها مكان بين الفنون الراقية.
أما الألحان فمعظمها قد تولاها عازفون أو مطربون تحولوا فجأة للتلحين دون موهبة أو ثقافة تؤهلهم للقيام بهذا الدور الخطير الذي يتطلب معرفة واسعة أساسها اللغة القوية والاطلاع على كنوز الشعر العربي فضلا عن تذوقه، وإدراكا تاما لدور الفن في حفظ وتأصيل هويات وتاريخ الشعوب 
قضية للنقاش 
يمكن الاسترسال أطول في هذا الحديث لكنا نود أن نستطلع مزيدا من الآراء فسنكتفي الآن بهذا القدر لفتح باب المناقشة، د.أسامة عفيفي، الأغنية: أيهما أهم .. اللحن أم الكلمات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق